الخميس، 1 أكتوبر 2015

قمع الحرية بجهل الأبرياء

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 30-09-2015



"مُنتهك للكرامة الإنسانية"

يقول قائل: هي جملة يجب أن تكتب في "كارنيه" وبطاقة كل رجل أمن تعدى على إنسان أيا كان عرقه ودينه وانتماؤه، وحتى لو كان من أعتى المجرمين، إن كان المُعتقل على خطأ أو مجرما عتيدا، فالأولى حينها تطبيق القانون بحرفيته التي قام عليها وقُنن، وبإنسانيته التي تحتمل عدم تطبيقه، والتغاضي عنه في حال رأى رجل الأمن أن الإصلاح يتطلب التغاضي عن الخطأ، وتجنيب العقاب والنصح والإرشاد فقط.

خوفي من عقدة الخواجة وأن أوصم بها عامة، تردعني عن مقارنة الحال بالغرب المتمدن، الذي في أغلبه لا يشاركنا الدين ولا العرق، لكنه تجاوزنا بعقود فيما يخص كرامة الإنسان وحريته وقيمته وإنسانيته، ليس لكونه ولد من ماء مقدس، وتربى على أيدي القديسين والفضلاء، ولكن لأنه عانى من حروب أهلية وإقطاعية وظلم اجتماعي مثلنا تماما، لكنه قرر في النهاية أنه لن يقبل بأن تعيش أجياله المستقبلية حاضره وماضيه الغابر، فيما نحن والحديث هنا ليس عن العرب فقط، وإنما عن كل العالم الذي يوصف بالثالث، الذي اقترن الحكم فيه بالنخبة الديكتاتورية، التي أصبح ببعضها وراثيا رغم جمهورية الدولة، وبأخرى وفق منظومة ديمقراطية مزعومة، تزور بها الانتخابات خلف عدسات الكاميرا، وينتخب بها الموتى مرشحهم الأوحد، لتكون النتيجة إعادة انتخاب من كان على رأس السلطة!

أسترجع معكم كتابات للراحل مصطفى أمين وذكرياته مع السجون في سنة أولى سجن وحتى الخامسة منها، قرأتها في العشرينيات من عمري، استيقظت وقتها على واقع أن قوميتنا العربية، التي كنت على وشك الإيمان بها، قد قامت أساسا على مبدأ التعذيب وانتهاك آدمية الإنسان بوحشية تستغرب أنها تصدر من ابن البلد نفسه!

يقول أمين في كتابه (سنة أولى سجن):

"دخل الفريق حمزة بسيوني قائد السجن الحربي إلى الزنزانة التي كانوا يعذبونني فيها في سجن المخابرات.. ووقف يتفحصني وهو يراني عاريا تماما، وأنا مصلوب على جدار الزنزانة، والضربات والصفعات تنهال علي، وثلاثة من الضباط ينتزعون شعر جسدي.. ثم قال الفريق: لا.. لا.. لا.. أنتم تدلعونه هنا، هاتوه لي في السجن الحربي ليرى التعذيب الحقيقي!".

في فيلم البريء الذي أنتج ثمانينيات القرن المنصرم، والمستوحاة أحداثه من الاضطرابات التي عمت مصر 17 يناير 1977 عقب قرارات الحكومة التقشفية حينها، وقاد الشارع فيها الشيوعيون والناصريون، سمعنا غناء السجناء في العنبر وهم يغنون "محبوس يا طير الحق"، كما شاهدنا سادية مأمور السجن وإجرامه ووحشيته ومن تحته من ضباط، وتفننهم في إذاقة المعتقلين السياسيين أقسى أنواع العذاب، على يد عساكر ومجندين تم اختيارهم من مناطق بدائية وأميين منفذين للأوامر بحرفيتها ومن دون تفكير، مؤكدين على المبدأ الذي تنتهجه السلطات والقائل: "قمع الحرية بجهل الأبرياء".

دوليا، أقرت 147 دولة ووقعت على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، الهادفة إلى منع التعذيب في جميع أنحاء العالم، والملزمة لأعضائها باتخاذ تدابير فعالة لمنع التعذيب داخل حدودها، وحظر إجبار أي إنسان على العودة إلى موطنه، إذا كان هناك سبب للاعتقاد بأنه سيتعرض للتعذيب فيه، تكريما للاتفاقية، يعد الـ 26 من يونيو كل عام اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب.

لكن يبقى التساؤل قائماً رغم كل ما سنّ من قوانين: هل نجح العالم في الحد من هذه الظاهرة اللاإنسانية؟ وهل اختفى التعذيب؟ وهل سنصل يوما إلى تأصيل مفهوم كرامة الإنسان أيا كان انتماؤه ودينه وعقيدته، وأيا كان مختلفا عن الآخر المعارض له والمختلف معه؟.. أتمنى ذلك مع يقيني بأن الطريق أمامنا ما زال طويلا جدا جدا جدا!


المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=252122

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...