الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

ديمقراطيات الربيع العربي الثائرة!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 21-10-2015

 
 
 
أتساءل أحياناً - وإن كان الحال سابقاً بالنسبة لي - أكثر من الحاضر: لو فعلاً أمطرت السماء حرية المواطن العربي المنشودة، فهل سيتلقفها أم سيرفع المظلة خوفاً منها حتى لا يصيبه رذاذ مطرها أو بردِه..!
 
ربما بات هذا التساؤل لي أكثر إلحاحا بعد موجة الربيع العربي المنصرمة، ومشاهدات مآلات الثورة على أنظمة حكمٍ جثمت على صدور شعوبها عقودا، حتى بات المُشاهد لها من الخارج قطعاً يحكُم عليها بالنائمة في سُباتٍ لن تفيق منه، لكنها وفي تناقضٍ فاخر لا يحدث إلا مرةً أو اثنتين كل قرن؛ نفضت عنها غبار السنين المُعتق بالخوف واليأس والذعر، وانتفضت على نظام الحكم السائد باستبداده الذي أصبح واقعا تعيشه، وغيرته لحكم الشعب الذي لم يستطع بعد أن أدركته الصدمة أن يؤسس لدولة القانون والإنسان، دولة العدل والحرية والإخاء والمساواة.
 
تحولت الدول لساحات حرب لم تنته حتى اللحظة بين الإخوة الأعداء المتعاونين سابقاً، ومعهم أنصار الأنظمة السابقة في مفارقةٍ عجيبة، استقطب كلٌ فيها فئات من الشعب فناصرته وآزرته، وشكلت الداعم الشعبي له ولبقائه، اقتتل الجميع وتفرقوا لشيعٍ وأحزاب وجماعات، فخرج من القوم من يترحم على النظام السابق الذي ثار عليه ويتمنى عودته، بعد أن تحولت الأحوال في البلاد لاقتتال بغيض، دمر المنازل والاقتصاد وأنهك العباد، وهجر منهم أكثر ممن فروا خوفا من بطش الأنظمة السابقة، وطلبا للملجأ في دول أخرى بعيدة عنه سعياً لحياة آمنة ومستقرة.
 
بالفعل ما جرى في دول الربيع العربي يجعلني أوقن أكثر أن الساعة الأكثر ظلمة هي الساعة التي تسبق غروب الشمس، وبمعنى آخر هي التي يكون الكيل فيها قد فاض لحدٍ أشعل فتيلا للانفجار الشعبي المطالب بالتغيير، لكن الحقيقة الناقصة في هذا القول التي لا يجب اجتزاؤها منه، هي أن شروق الشمس لا يعني شمس الربيع المُشرقة والمفعمة بالأمل والجمال؛ ما لم يسبق الشروق أيضا ثورة فكرية إنسانية أدبية ثقافية أخلاقية تُعيد تربية المواطن وفقها، وتؤطر لمجتمعٍ عقلاني أخلاقي يؤسس لسياسات وقوانين ما بعد التغيير.
 
تيار التغيير العربي المستعجل لقطف ثمار الحرية، يستشهد بالثورة الفرنسية التي حاربت نفسها لتشق طريق الحرية، وتؤسس لشعارها القائل: الحرية والمساواة والأخوة؛ متناسيا أن هذه الثورة رغم أن البعض يطلق عليها بالعظيمة، هي أحد أكثر من تسبب في القتل على الهوية، وبتصرفات مشابهة لمحاكم التفتيش الكنسية التي ادعت الانقلاب عليها، هي ثورة قُتل فيها وبوحشية وعُذب وأُحرق وصلب كل معارض للتيار السائد، هي الثورة التي ألغت الملكية للجمهورية، لكنها نبذتهما واعتنقت الامبراطورية التي ألغتها لحساب الملكية مجدداً، ثم انقلبت عليها فيما بعد وأعادت اعتناق الجمهورية، بعد أن أسالت مئات الآلاف من أرواح مواطنيها بسادية قلما وجد لها في التاريخ نظير!
 
في المقابل آمنت دول غربية أخرى بأن الديمقراطية وشعارات الحرية ليست كسهولة الدعوة لها، فتمهلت في اعتناقها بعد أن أدرك مثقفوها أن من الواجب عليهم تأسيس مؤسساتها أولاً، تلك التي لن تقوم لها قائمة إلا بثورة شعبية فكرية تسبقها، يُعاد فيها تأصيل المفاهيم والقيم الحقة بين جميع فئات الشعب، الذي سيُثمر إعادة تأهيله في أن يكون بعد الثورة حامي قيمها، لا الجيش فقط وقوات حفظ الأمن والنظام، التي يسهُل تجييرها لفئةٍ على أُخرى، في حال سيادة ثقافة الاستقطاب السياسي المصلحي المبني على المذهبية والقبلية والطبقية، كما جرى في أكثر من بلد عربي طلب التغيير فحصل عليه اسما لكنه يُعاني من ويلاته الآن.
 
في الدول المتحضرة، كلما زاد الوعي الشعبي زادت الحرية وتأصلت الديمقراطية، وكلما زاد الوعي السياسي للنخب زادت فرصها في القيادة والانتخاب، أما في الدول المتخلفة فكريا: فكلما زاد الوعي الشعبي الإنساني والسياسي النخبوي زادت فرص الاعتقال والاغتيال!
 
حقيقة لا بد أن يعيها أي شعبٍ طامع للتغيير، هي أن الثورة التي تبدأ وتنجح بحظ المبتدئ؛ حتما ستنتهي باختبار الفشل، وهذا ما حصل في خريف العرب الغابر لبعض دوله الطامعة في الحرية والتغيير!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=306269

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...