الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

سنابي وسنافي!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 16-09-2015



رغم الفرق الشاسع بين الاسمين الأول والثاني في العنوان، إلا أن كليهما كشفا سوءات البعض منا، وإن كان البعض الذين أشرت إليهم هنا هم نسبة كبيرة من الشعوب العربية المتعطشة لاستخدام كل ما هو جديد ومتاح حالياً، وربما ممنوع أو مُخجل سابقا، ويتم التعامل معه وبه بسرية مطلقة كبنود اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية!
 
نحن الذين كنا إن نظر شخص ما في الشارع لما نلبسه أو نركبه أصابنا الذعر والخوف الشديد من العين التي قد تصيبنا بما نُبتلى بسببه؛ أصبحنا نشارك لحظات حياتنا وتفاصيلها كل يوم وساعة، إن ذهبنا في رحلة أو زرنا صديقاً أو اجتمعنا في مطعم مع العائلة والأصدقاء؛ ستجد بالتأكيد الحضور رجالاً ونساءً وأطفالاً كلٌ مطأطئ الرأس تارة، وأخرى يصور ما حوله وطبقه وفنجان القهوة وكأس الشاي، وربما حتى الفاتورة وما يدفعه من بقشيش؛ ويرفعه مباشرة على "سنابه" و"إنستغرامه" ليشارك به العالم أجمع من يعرف ومن لا يعرف!
 
الغريب أن فوبيا العين والحسد التي يعاني منها الكثير من العرب حتى عّد ذلك أهم مسبب لكل ما يصيبهم؛ لم تؤثر فيهم أو تمنعهم من استخدام برامج المشاركة الفورية للصور والفيديوهات كسناب شات مثلاً، مع أنها (أي البرامج) ستعرّضهم لو فكروا في الأمر بجدية لمئات "العيون" الخارقة المُضّرة التي ستتسبب لهم بمصائب وبلاوي وفظائع هم في غنى عنها، لو لم يستخدموا مثل هذه البرامج، كما ستعفيهم من زيارة القراء وأصحاب الرقية المنتفعين ماديا من ممارسة هذا المهنة، التي تحولت من أجرٍ شرعي نتقرب فيه إلى الله عز وجل عبر مساعدة الآخرين، إلى مصدر دخل يبني الفلل ويوفر متاع الحياة الدنيا من سيارات ونساء وسفريات ووووووو.
 
للحق المجتمعات العربية ليست ملائكية ولا هي وبسبب عروبتها وانتمائها الديني يُطلب منها أو يُفترض عليها ما ليس على الأمم الأخرى، كما أن من حقها أن تستمتع بالحرية التي توفرها لها وسائل التواصل الاجتماعي؛ لكن ما ليس من حقها هو أن تدعي الكمال وتصنف الآخرين على أساس ذلك، هذا أولاً وثانياً: هو انكبابها بشكل غريب على كل تقنية تصلها، فتسيئ استخدامها وتحولها من أداة للاطلاع والمعرفة والترفيه والتثقيف إلى وسيلة للفشخرة والمظاهر الكذابة، التي يُراد منها إبراز غنى البعض وثروته ووجهاته الدنيوية وسلطته!
 
في البر والبحر والجو جوالاتنا مستنفرة، وكاميراتها مستخدمة تصور وتوثق ما حولها، لا للاحتفاظ بها كذكرى جميلة وإنما للاستعراض، حتى باتت تصرفات "الفشخرجية والمتفشخرات" مسيئة للآخرين، ومشوهة لحدائقهم ومتنزهاتهم ومواقعهم السياحية وملاذهم للمتعة، فبتنا نرى عربا يمارسون هواية "الهش والنش"، أي الشواء حسب المصطلح الشامي في الهايد بارك بلندن، فيما آخرون قد وضعوا فرشاتهم بجوار برج إيفيل لينفثوا دخان شيشتهم في الهواء الذي يستنشقه كل زائر لباريس، غير مكترثين باستهجان تصرفاتهم ومدى إساءتهم لدولتهم، هذا عدا عن تخريب الممتلكات العامة، التي ولغباء من يمارس هذه التصرفات يقوم بتوثيقها عبر تصوير نفسه وبفخر، ومن ثم يقوم بنشرها، ليُكرس عبارة: أمجاد يا عرب أمجاد، ودون أدنى مراعاة للمبدأ الأخلاقي القائل: تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين!
 
حقيقةً أحيانا أعجز عن فهم طريقة تفكير العقل العربي الشعبي بالطبع لا السياسي، فالأخير لا يحتاج إلى فهم، فهو واضح كوضوح الشمس وسيبقى كذلك ما دامت عقولنا كعامة تُحب أن تُستغفل وتصفق لمن يفعل، وتسيء في نفس الوقت لنفسها وكينونتها عبر عشوائيتها ولا مبالاتها وسطحيتها، التي نراها في كل مرةٍ تحدث ثورة تقنية، نستخدمها برعونة وصفاقة دون هدف سوى إظهار عقد النقص لدينا، وفراغنا وسوء تربية البعض، التي باتت لا تشكل حدثا فردياً معزولاً، وإنما ثقافةً مجتمعية بحاجة إلى أن نعيد التفكير فيها بجدية وبحلول عملية، بعيدا عن التنظير ومؤتمرات الصالونات، وإنما بسياسة حكومية ورسمية ومجتمعية ممنجهة ومقننة تبدأ مع النشء وتستمر لتطول جميع طبقات المجتمع، التي تفشى فيها مرض اسمه "أنا هنا".


المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=219758

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...