الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

حكاية «فيفو»!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 09-09-2015



أستأذنكم اليوم لأتحدث وبإذن خاص لمرة واحدة فقط عن «فيفو»، وبعض شبابنا المُتعب برجولته مستخدما كلمات عامية ومُعربة، مع جُل تمنياتي أن تعذروا كسري لقاعدةٍ أؤمن بها وتقول: لنتوقف عن جعل الأغبياء مشاهير!
 
ما دعاني للتجرؤ والحديث هنا، هو طلب من قارئة كريمة طبيبة تتعامل بشكلٍ يومي مع مختلف العينات من البشر، أشارت علي بالكتابة عن ظاهرة الشباب «غير المسترجل»، التي باتت لا تخفى على أحد، منتشرة بين فئات عمرية بنسب أكبر بكثير مما كانت عليه سابقا في أجيال قد أكون أحدها.
 
أتذكر ولنقل قبل عشرين سنة موقفا حدث لصديقٍ لي مع والده، وكان حينها في الثانوية العامة، عاد الصديق مساء يوم إلى البيت قادما من الحلاق، وقد قص شعره بما عُرف حينها «قصة فرنسية»، وللأمانة لا تعدو أن تكون فقط مخالفة للعُرف العام الذي دأبنا عليه وقتها في قص شعورنا (بالماكينة)، التي ولمن لا يعرفها هي ماكينة الحلاقة ذات الدرجات، وتقتصر وظيفتها على قص الشعر بطول معين، وبشكلٍ متساو ليس فيه أي مظهر حسن.
 
المهم، صُدم الأب من جرأة ابنه وتحديه للعادات والتقاليد السائدة وقتها، وكان يخجل أي أبٍ مثله أن يمشي ابنه بجواره وقد قص شعره على الطريقة الفرنسية، غضب والد صديقي ترجمه بقرار فوري ذهب ابنه بمقتضاه إلى نفس الحلاق، وحلق على «الزيرو»، مع تحمله لتكلفة الحلاقة من مصروفه الأسبوعي حتى لا يُكرر هذا الجرم مرةً أُخرى!
 
هذا كان مثالا لما تربينا عليه، وقد لا يكون قاعدة تنطبق على الجميع، إلا أن الأغلبية من جيلنا قد نشأت وسط العديد من المحاذير الاجتماعية التي طُبقت علينا بصرامة، مع عقاب شديد للمخطئ، لم يكن في تلك الأوقات لبس «البنطلون» محبباً، بل إن البعض كان يراه عيبا، لكن العار كان في لبس الجينز والتي شيرت الضيق، وقد يوصف لابسه بعديم الرجولة، على خلاف «جينزات» شبابنا هذه الأيام، التي تتراوح أنواعها الشائعة بين «السكني» و»طيحني» و»المقطع» وغيرها، التي لا أعرف اسمها ولا حتى كيف تكتب، مع العلم أن لكل منها ما يلبس معه من « التيشيرتات» وإكسسواراتها من خاتم وقلادة جماجم وغيرها، التي تستهوي مراهقينا، للحد الذي بت أعتقد أنها ليست بالفعل تقليدا أعمى لشماعتنا «الغرب»، بل تعبر عنهم وعن شخصياتهم، وباتت لا ترى في كحل العيون عيبا، ولا المكياج ككريم الأساس وأحمر الشفاه أمرا مقصورا على الفتيات!
 
تلخبطت المفاهيم وتشقلبت وانقلبت، فبتنا نرى البنات المسترجلات، في مقابل شباب ناعم وفاهم الوسامة والشياكة غلط، ويمارسها بمفهومه المخجل ظنا منه أنه إن فعلها فسيبقى «دونجوان» يلفت أنظار الجنس الناعم، وأؤكد لكم أن أغلبهن ينبذن مثل هذا النوع من الشباب الذي ينافسهن على عرش الرقة، فالمرأة مهما استأسدت تبقى أنثى، وتبحث عن المخالف لها بالفطرة، وهو الرجل المعروف قديما بسي السيد أو «ابن عمي» وحديثا بالجنتلمان!
 
حتى لا أنسى «فيفو» الذي تحدثت عنه في بداية المقالة، هو شاب عربي أصبح يشكل ظاهرة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، كل يوم له هاشتاق وعشرات الصور ومقاطع الفيديو، التي يصور فيها نفسه وهو «يتميلح» ويتدلع بابتذال وبأنثوية مفتعلة لا تليق برجل، متتبعو «فيفو» أصبحوا بعشرات الآلاف، ومنهم العديد من المعارف والأصدقاء، شهرته دعت إحدى القنوات الفضائية لعمل حوار تلفزيوني معه، للأسف تابعته عن فضول وليتني لم أفعل، والسبب في ذلك أن استطلاعا للرأي أجرته القناة أظهر إلى حد ما تقبل المجتمع لرؤية شاب «مستأنث» لبسا وحديثا وصوتا ويعدها حرية شخصية.
 
مفهوم الجيل الصغير المراهق وحتى الشاب عندنا عن الحب والأحاسيس أشعر أنه مختلف عما كان عليه في أيامنا الغابرة، مع العلم أن المشاعر الإنسانية واحدة، إلا أن التطبيق والشكل العام بات مختلفا، سمعتها أكثر من مرة منهم «زماننا غير زمانكم»، فصدقت ما قالوا، لكنني تراجعت حين تذكرت سمو الحب الإنساني الذي شمل به حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم زوجاته، وأخص منهن أولاهن خديجة وأصغرهن عائشة، رضوان الله عليهن جميعاً.
 
كم كانت محبة رسولنا الكريم مثالاً للمشاعر الإنسانية التي تسمو في رقيها عن أي تفسير آخر للحب والتقدير والمودة والرحمة تجاه زوجاته، كم أتمنى أن يعلّم هذا الحب الشريف الطاهر في مدارسنا لأبنائنا وبناتنا، كي يعلموا أن سمو المحبة في طهرها، وضمن إطارها الشرعي الأخلاقي الذي أمرنا به الله عز وجل، بعيدا عن الاصطناع والمشاعر الوقتية المزيفة، وبعيدا عن التظاهر والتشبه بالجنس الآخر في أفعاله وطريقة لبسه وحديثه.
 
بصراحة نحن بحاجة إلى ربيع عربي أخلاقي، ليس على غرار السياسي حتى لا يُقمع، نتعلم فيه ونعلم أبناءنا المفاهيم الصحيحة للتطور والحرية، وحتى الجمال والشياكة والمحبة واللبس.


المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=218436

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...