الخميس، 26 نوفمبر 2015

ألف باء النقاش والطرح

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 25-11-2015

 
 
في كل مرة يخرج أحدٌ ما برأي قد يتعدى في مفهومه وجهة النظر ليمس ثوابت عند الأغلبية، تنشب معركة طرفاها في تصرفاته أكثر تطرفاً أحيانا وغلواً من صاحب الرأي نفسه، أحدهم من جماعة "أحب الصالحين ولست منهم"، والآخر من قوم يظن العلمانية والليبرالية رداءً يلبس كما هو دون ضرورة تفصيله على المقاس المتوافق مع الأمة التي يراد منها لبسه!
 
يجب أن نسيطر على الحمية لدينا، وأن تكون ردود أفعالنا متأنية ومتزنة وغير انفعالية للرد فقط، والخروج منتصرين في معركة النقاش، وإنما لتبيان صحة وصواب ما قيل من عدمه وتفنيده، بحيث يستفيد منه العامة، وهم الفئة الأهم المغيبة في مجتمعاتنا، والأكثر تأثراً بما قيل والأسهل توجيهاً، أما أصحاب الرأي- وأستثني منهم بالطبع مثيري "فقاعات الصابون"- ففي الأغلب لا يكتبون إلا عن اقتناع بما يريدون، ومن الصعوبة أن يرتدوا عن فكرتهم التي ما كتبوها إلا بعد أن أرّقت تفكيرهم؛ ومع ذلك فالنقاش مع ما يكتبونه يجب أن يكون وفق أصوله ولمن يعرفه وبالدليل والحجة، بعيدا عن السب والشتم والأحكام المسبقة، ووفق المنطلق الكريم "وجادلهم بالتي هي أحسن".
 
يلجأ بعض الكتاب من واقع خوفهم من طرح الفكرة مباشرةً، أو بسبب أسلوبهم الذي امتهنوه في الكتابة، للطرح غير المباشر واللغة المعقدة في شرح ما يرمون إليه، فيتعمدون كتابة المقالة بأسلوب معقد لغويا، لا يخاطب العامة بل لتسجيل موقف فكري لهم ينم عن قناعاتهم، كما أن بعضهم ينتهج المواربة خلف الكلمات، ليختلف تفسيرها فتحتمل أكثر من معنى يحتمون به في حال تعرضهم للمساءلة.
 
ربما وفي سبيل الشفافية في الطرح، يُطالب البعض بأن تكون الحرية وفق المبدأ القائل: من أراد أن يكفر فليفعل، ولكن دون أن يفرض ذلك على غير شخصه، ومن أراد أن يؤمن فذلك الصواب..، لكن هل يدخل هذا الكفر تحت باب حرية الرأي التي يجب تأصيلها والوصول إليها في مجتمعاتنا العطشى لأن تمارس فيه فكرها أيا كان صوابه من خطئه!
 
التحرر الفكري والليبرالية تحترم الآخر أياً كان توجهه، والدين الحق يرفض الكهنوت، ويدعونا للتفكير وللتمعن ولتحكيم العقل وعدم انغلاقه وتقوقعه، لكن وفي نفس الوقت هناك مسلمات وغيبيات علينا إن ارتضينا هذا الدين وآمنا به أن نأخذها كما هي، ولا داعي لإرجاعها لما يمكن للعقل فهمه، وهو الذي- أي العقل البشري- تختلف قدراته من شخص إلى آخر، أما من آمن بالمادية البحتة وشاء أن تكون هي منهجه فلا يمكن إقناعه أو التعامل معه إلا وفق حججه، ويجب ألا يتم إقصاؤه طالما لم يفرض رأيه على الآخرين، فهو حر بقناعاته إن لم يُجاهر بها ويسبب ضرراً.
 
مشكلتنا بصدق هي أننا نخلط ما بين معارضتنا لبعض الآراء المتطرفة والمغالية التي تكسو نفسها برداء الدين تارة وأخرى باسم الحرية، وبين المفهوم المعتدل للدين والتدين، أي الوسطية التي يقوم عليها المنهج الحق الذي نادى به الإسلام، كما قدسية الحق الإنساني في أن يعبد من يشاء، وأن يفكر كيفما يشاء، وأن يؤمن بمن يشاء.
التصرفات الخطأ لبعض المتدينين لا تسيء للدين وإنما تسيء لهم، وكذلك "الشطحات" لبعض التحرريين لا تعني أنهم تغريبيون بشر على هيئة شياطين، الاعتدال والمنطق في الطرح واجب وإلا تحول الحوار المجتمعي إلى صراع ديكة لن يخرج منه إلا طرف واحدٌ فقط منتصراً كما يظنُ هو وأنصاره ويعتقد!
 
لنتعلم كيف نحسن الظن بالآخر المختلف معنا، ولنتعلم احترامه ونقاشه بود وهدوء بدلا من إقصائه، ولنتقبله كجزء مكون منا دون أن نضع أنفسنا في مقام القاضي، الذي تعدى صلاحياته فبات يقرر هذا في الجنة وذاك في النار، وهذا منا وذاك من أعدائنا!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=332716

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...