الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

كلنا عيال قرية!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 11-11-2015

 

 
لا يخفى عليكم أني استعرت العنوان من مسلسل جميل لنجمي الخليج العربي القصبي والسدحان عرض قبل سنوات، ما أعجبني في الاسم وإن كان جملة شائعة نرددها كل يوم وكل بلهجته الخاصة، فالمصريون مثلا يقولون "كلنا ولاد تسعة"؛ كونه حكمة عظيمة تحمل معاني سامية، لم نعد نلتفت لها ولجوهرها الثمين وإن تناولتها الألسن، وطرحتها كلما أرادت إثبات أن الجميع سواء، ولكن دون التعمق في روح هذا الأصل الإنساني الذي بتنا منقلبين عليه حين استبدلنا الأصل في الخلقة، وهو "المساواة" بالمراتب الاجتماعية والطبقية، التي جعلت الناس كما يقولون مقامات، فمنهم ابن الأصل والفصل، وابن القبيلة والعشيرة، ومنهم ابن الحضر والبادية، ومنهم من نطلق عليه "غير معروف الأصل"، لمجرد أن جده الخامس عشر لا ينتمي لأحد تلك العوائل أو القبائل المعروفة بنسبها!
 
طوال تواجدك كإنسان عربي في دولتك أو أخرى عربية، ستلحظ أن السؤال الشائع عند التقائك لأول مرة بنفر أو أحدهم هو: من أين أنت؟
 
قد يظن الغريب أن هذا السؤال طبيعي مرده الفضول البشري لمعرفة مكان الآخر ونسبه ومن أين أتى، لكن في العديد من دولنا العربية للسؤال معنى آخر، يُريد السائل من طرحه أن يستشف أصلك وفصلك وهل أنت قبلي وابن عشيرة، أم "كما يقولون" من المستعربين العرب الجدد المجنسين أو المهاجرين منذ قرن أو يزيد من أحد بلاد الله، لكن وبعد مائة سنة وتعاقب الأحفاد، ما زالت ذريته تقع في الخانة قبل الأخيرة من المكانة الاجتماعية التي تكرسها النظرة العنصرية الجاهلية وفق شجرة العائلة، التي يجب أن يكون امتداد جذورها البعيد لأحد تلك القبائل العربية الأصيلة!
 
يغضب العربي حين يسافر لأحد دول الغرب ويتعرض لموقف عنصريٍ فيها، حينها يكيل لهم التهم ويلعن ديمقراطيتهم الكاذبة وادعاءاتهم بالمساواة بين البشر، لكنه وحين يركب طائرة العودة لوطنه، وأول ما تطأ قدماه أرضها، تجده يصرخ على عامل مغترب من بلد فقير، ويشتم آخر، ويلعن ويغضب ويزبد مرددا عبارات الشكوى، بأن هذه المخلوقات القذرة نصابة وانتهازية، كما أنها غير نظيفة ولا يمكنه الوقوف إلى جانبها، ولا الصلاة بجوارها بسبب رائحتها النتنة كما يصفها، لطالما دعا في جلساته العامة وروج لفكرة أن يكون لهذا العمالة مصليات ومطاعم وأماكن انتظار خاصة بهم، حتى لا يختلطوا بالصفوة "التي يرى نفسه أحدها"، ولا يزعجوها بروائح أجسامهم التي أنهكتها الشمس الحارقة، وطبيعة أعمالهم الشاقة، بتصرفه هذا إن واجهته، حتماً سينكر تكراره لعنصرية الأمريكان مع السود، وفصلهم العنصري "الأبارتيد"، وسيردد لك متشهداً بسبابته "علامة الصدق والتقوى" أنه غير عنصري، ولكنها "علوم رجال وقبايل" ولا عيب فيها ولا تعارض حتى مع الدين!
 
للأسف وبكل صراحة: نحن عنصريون بامتياز، وطبقيون متزمتون وإن ادعينا خلاف ذلك، تجدنا نردد القول الكريم "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وحال انتهائنا منه نلعن فقراء المغتربين في بلداننا، ونستحقرهم ونطلق على كلٍ منهم لقباً يضحكنا ويسخر منهم، لكننا ومع ذلك لا نرى في أنفسنا ذاك التنطع العربي المقيت، الذي يبرر لنا تجبرنا كوننا خير أمةٍ أخرجت للناس، ولكن دون أن نعي أن تلك الأمة الخيرة التي بُشر بها واختيرت لأن تكون كذلك، هي الأمة التي تأمر بالمعروف وتعمل به، وتسعى إليه بالود والحسنى والابتسامة الصادقة، وبالمساواة دون تكبرٍ على أحد؛ وتنهى عن المنكر وتتجنبه، تعامل البشر برؤيتها لهم سواسية كأسنان المشط ولا تلتفت لأشكالهم وهيئاتهم وجنسياتهم وأصولهم وحالتهم المادية ودرجتهم الاجتماعية.
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=320292 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...