الخميس، 6 فبراير 2020

الرواية والواقعية التشاؤمية

المجلة العربية
31-01-2020
عماد أحمد العالم



حين كتب نزار قباني: (الحب ليس روايةً شرقية بختامها يتزوج الأبطال).. هل كان يسير على نهج من سبقه ويدعو كما مَن كتبوا قبله لمذهبٍ أدبي يتجلى بالواقعية التشاؤمية في الكتابة والرواية على وجه الخصوص. لا أعلم إن كان هناك مصطلح في النقد الأدبي لهذا الوصف الذي أطلقته على سمة بارزة جداً في أغلب أهم الأعمال الأدبية العربية منذ قرن وحتى اليوم -وإن كان كذلك طال الأدب العالمي-، اتسمت بعدائها الشديد مع كل ما يجلب الانشراح للقارئ من أحداث ونهاية كانت على الدوام صادمة إما لإمعانها في حوادث أليمة أو غريبة أو لا معنى لها أو (كمن يقول) كما في ثلاثية نجيب محفوظ، للقصة بقية دون أن يكون لها في الواقع!
للرواية مدارس كما للصوفية طرق ومنها ما هو خيالي ووجداني سردي وكلاسيكي وكذلك واقعي يتحدث عن نمط حياة وأسلوب عيش وأحداث حقيقية وقضايا مجتمعية دون مواربة أو خجل وتلطيف، يجب أن تحتمل منطقياً شقي الحياة من تعاسة وفرح، فيما الظاهر منها والغالب عليها هو غلبة الشقاء، الذي لا ينكر أحد أنه من أساسيات الحياة في المجتمعات العربية الفقيرة أو تلك القابعة تحت وقع الظلم والجور والديكتاتورية والطبقية، إلا أنّ من المُنصِف أيضاً إظهارُ الطرف الآخر من المعادلة دون تغييب وهو الجانب المُفرح، الذي لا بُد من إدراك تغييبه المُتَعمد في مقابل الحزن والمصائب والأحداث المفجعة التي تم سبكها وسكبها في تسلسل من الصدمات التي تبعث الغم وتحيل الحياة لمنظومة تعيسة مما يُكدِّر رغم وجود ما يستحق الحياة فيها وإن قلّ وندر!
المدرسة الواقعية في الرواية العربية ضرورة حين يطمح الراوي لتصوير حالة بعينها أو مجموعة منها في مجتمع أو بيئات مختلفة، ولكن دون أن يطغى عليها عنصر دون آخر، فتصوير المشهد من بدايته لنهايته يتطلب ألا يكون على منوال واحد من القتامة التي لا بد أن يتخللها انفراجات ومسرات ليست من باب الخيال وإنما واقع لا بد من إظهاره أيضاً، فلا ظلام وإن اشتد دُمسه خالد، فللنور شعاع سيظهر وإن طال أمده، كما أن التفريق واجب بين نقد منطقي في السرد وبين آخر موغل في السوداوية التي طغت عليها التشاؤمية المفرطة، التي حلت مكان (الواقعية المنطقية) المنوط بها تصوير الفكرة دون إسراف في الجلد، وفرضها بالقوة على القارئ عبر إثارة السلبية لديه، مما سيؤدي به إلى قناعةٍ مسبقة ستبعده عن إدراك الغرض.
بعض الكُتّاب على سبيل الاستشهاد ارتبط نمطهم بنهج معين يسبقهم لمخيلة من أراد الاطلاع على أيٍ من إنتاجهم الأدبي، فكافكا مثلاً أحد من لن تتوقع سوى الكآبة والألم حياله، فروايته المحاكمة ستخرج من قراءتها بقناعة عن ماهية بقية إنتاجه الأدبي، أما (المسخ) فيقف كافكا فيها متوجاً بأعلى درجات الخيال الغارق بالبؤس، فيصور بطل العمل بالمتحّول إلى حشرة ينظر من خلال عيونها لبؤس العالم حتى تنتهي حياته. من الأعمال الأخرى الأشد قتامة أذكر رواية 1984 لجورج أورويل، ونكات للمسلّحين لمازن معروف، وشرق المتوسط لعبدالرحمن منيف، دون أن ننسى بالطبع الأبله لدوستويفسكي ورواية في بلاد الأشياء الأخيرة لبول أوستر التي ستفتح في وجهك عالماً موغلاً في القتامة!
الرواية ببساطة هي حدوته يريد راويها أن يطلعنا عليها وكلٌ حسب أسلوبه وخياله، تتنوع الأحداث فيها والنهايات وفق ما ارتأى كاتبها لترضي مختلف الأذواق التي لا تتفق على هوىً واحد، لذا فربما تلك الكئيبة تلامس شغفاً ما لدى مطلع لا يجد آخر مناقضٌ له فيها سوى الغمّ والنكد على خلاف أخرى بنمطٍ شرقي كما تصوره نزار قباني بختامها يتزوج المحبان!!



المصدر: صحيفة الرؤية - www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?id=7227

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...