الأحد، 3 نوفمبر 2013

الصرع بين العلم والخرافة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في مجلة فكر الثقافه العدد الخامس 01-11-2013

   

الصرع (Epilepsy) ليس بمرضٍ ذهني ولا نفسي, كما أنه ليس بمعدٍ (Contagious) ولا تتوقف الحياه إن أصيب به, بل هو عارضٌ طبي عصبي (Neurological disorder), وفي العالم أجمع ما نسبته واحد بالمائه من السكان يعانون منه أو مرشحين محتملين أو مرو بالتجربه (النوبات) على الأقل مرةً واحده في حياتهم.
هل هو وباء (Epidemic)؟, بالطبع لا...., هو بكل بساطه ناتج عن اختلالٍ في آلية عمل النظام الكهربائي للدماغ, مسبباً ما يعرف بالنوبات الصرعيه (Seizures) والتي تختلف أنواعها وتتعدد, ولا تقتصر على الصوره العامه المعروفه والمتكونه عند العامه بالإهتزاز والإنتفاض والتخشب والزبد (Clonic-Tonic Seizures). هو الحاله الطبيه التي يحدث بها حدوث متكرر للنوبات ناجمٌ عن نشاطٍ كهربائي زائد ومتزامن للخلايا العصبيه في جزءٍ من الدماغ (Partial) أو كامله (Generalized).
لو أردنا الرجوع لقرونٍ سابقه لنعرف أصل كلمة "صرع", لوجدنا أنها إغريقيه تصف" حالة الشعور بالهزيمه أو التعرض لهجوم". فيما رأت الشعوب أنها حاله من "التملك"   تتلبس المصاب بفعل قوى خارقه (Supernatural), ويكون مردها لمسٍ شيطاني أو للعفاريت والجن. هذه الحاله من القدسيه التاريخيه أُصبغت على الصرع, مما أثر سلباً على فهمه وعلاجه, وجعل المصاب به مرتبطٌ مصيره بثقافة تلك المجتمعات, وعلاجه رهنٌ بالخرافات.
مفهوم المس ليس بحديث عهد ولا عُرفنا به عن من سوانا من الأمم, فالتاريخ يذكر بأن شعوب من سبقنا بقرون آمنو بأن نوبات التشنج  تحدث بفعل تملك قوى خارقه لجسد المصاب مسببةً نوباتٍ من الإنتفاض وزبد وخروجٍ عن الوعي وفقدٍ للإتصال الخارجي. تولى الطرف الديني فيها مسؤولية علاج المصاب وأنيط به تقرير المصير, كما دائماً ما كلفت القبائل االبدائيه والوثنيه سحرتها مسؤولية التعامل معه وعلاجه.
المجتمعات الثالثه والقبليه والعرفيه تعاني أكثر من غيرها من عقدة عار ما أسميه الصرع, وخصوصاٍ إن كان المصاب به الأنثى, فالبنسبة لهم هي بداية النهاية والعنوسة للفتاه أو الوحده والطلاق للمتزوجه, وكأنها تعاني من مرضٍ معدٍ مشين!

إن جهاز الإنسان العصبي من أعقد ما في الجسم البشري, فهو وبامتياز فريدٌ من نوعه, ولكم أن تتخيلو كيف بنظامٍ يستطيع التعامل مع الملايين من المعلومات وأجزائها من مختلف مكونات الجسد بعضلاته وأعصابه, أجزائه الحركية والحسيه, ليربط بينها لتقرير وتحديد الإستجابه المناسبه.
فيما الدماغ يتمتع بالأهليه للقيام بذلك, إلا أنه وكأي عضوٍ بشري, معرضٌ للإعتلال والتوقف عن العمل, لذا حدوث أي إصابةٍ له تنعكس على مركز السيطرة والتحكم  بكل مقدراتنا, الذي بدوره تتحكم فيه مواقع وأجزاء بعينها داخله, ولكلٍ منها وظيفه محدده.
ترتبط النوبه الصرعيه على الجزء في الدماغ الذي حصل فيه التفريغ الكهربائي للخلايا العصبيه, ومع علمنا بأن كل مكان في الدماغ له وظيفه فريده يؤديها, لذا فالجزء المصاب سيفقد إمكانية أداء وظيفته بالشكل المطلوب, ومن ثم تكون الأعراض المصاحبه للنوبه بناءً على ذلك.
يمكن السيطره في الغالب على النوبات التشنجيه وبالتالي تحييد الصرع فيما لايقل عن سبعين بالمائه من المصابين به, كما أن خمسين بالمائه من الأطفال يمكن شفاؤهم منه قبل بلوغهم. لكن الدراسات والأبحاث الطبيه تشير إلى أن ما يقارب الثلاثين بالمائه من الأفراد لا يمكن السيطرة على نوباتهم حتى مع توفر أفضل طرق العلاج.
تزيد نسبة الإصابه بالصرع في دول العالم الثالث وفي بعض مجتمعاتننا العربيه عن من سواها, وذلك راجعٌ لقلة الوعي المنزلي وثقافة العيب وضعف الإجراءت الطبيه والإهمال الحكومي وتفشي مفهوم المس الشيطاني أو الجن والحسد والعين, وما يترتب عليه من لجوء المصاب وذويه لطرق العلاج الشعبيه أو إعطاء طابعٍ ديني عبر اللجوء للقراء وإهمال الجانب العلمي الطبي الذي دعينا جميعاً كمسلمين للأخذ به وباللجوء له بعد الله سبحانه وتعالى طلباً للإستشفاء. فسبحانه خلق الداء والدواء وجعل من القرآ ن الكريم نورٌ ورحمةٌ وشفاء, لكنه أوصانا بالأخذ بالأسباب, ومن الأسباب ما أرجعه لضرورة الأخذ بالعلم الحديث الذي منحه لنا المولى الكريم, عبر اللجوء للتداوي والإستشفاء الطبي وأخذه كبابٍ وسبيل لا يمكن الإستغناء عنه, مع نبذ الخرافات والأقاويل والإشاعات التي يتداولها العامه من الناس على أن مرد الصرع هو عين وحسد أو مسٌ شيطاني أُريد به الضرر للمصاب. حينها يلجأ المتضرر وأهله للعطارين والطب الشعبي ولمن يسمونهم بقراء الرقيا طلباً للشفاء, متجاهلين زيارة الطبيب المختص لإجراء الفحوصات الطبيه وأخذ العلاج والدواء المناسب للحاله, ما قد يترتب عليه من اشتداد العرض وتطور الحاله فتصبح مزمنه وقد تؤدي لعواقب كان من الممكن تجنبها لو راعى الأهل ضرورة العلاج والكشف المبكر والإلتزام به.
تراخي البعض عن طلب المشوره الطبيه واعتقاده بأن علاج الصرع والتشنجات فقط عبر قراءة القرآن على المريض فكرٌ خاطيء وفي غير محله مع إيماني ويقيني الذي لايقبل الشك بعظمة القرآن وقدرته وإعجاز الخالق العظيم. لكننا كمسلمين مطلوبٌ منا أيضاً السعي وتحكيم العقل وطلب التداوي عبر العلم الذي علمنا إياه سبحانه "وعلم الإنسان ما لم يعلم", فكانت أولى آياته لنبينا الكريم "إقرأ"
سُمي الصرع بمرض العظماء, لكثرة المشاهير الذين أصيبو به عبر التاريخ, لكنه لم يمنعهم يوماً أن يكونو ما أصبحو عليه, بل في العديد منهم زادهم إصراراً وتحدياً وذللو عقبته فكانت لهم حافزاً للتقدم والإنجاز.
الإسكندر المقدوني, المحارب والقائد الأسطوره, كان أحد من من أصيبو بالصرع, كما عانى منه لاعب كرة القدم الشهير رونالد. القائد القرطاجي الشهير هانيبال أحد أعظم العسكريين في التاريخ أصيب به أيضاً, وكذلك الملك ألفريد الأكبرويوليوس قيصر و الملك شارل الخامس ولويس الثالث عشر وبطرس الأكبرو تيودور روزفلت الرئيس الأمريكي الخامس والعشرين, كما أفادت بعض كتب التاريخ أن نابليون بونابرت عانى منه طوال حياته.
أولى خطوات علاج الصرع تكمن في تحديد نوعه وشكل النوبات المصاحبة له, والروايه لما اعترى المصاب به من أشخاصٍ عاصرونوبته  (History). عقبها يكون على الأغلب أولى الخيارات العلاجيه عبر وصف الأدويه التي تساهم في تحكم المريض بالنوبات التي تصيبه. وسائل أخرى متاحه لعلاج الصرع, وغالباً ما تكون في الحالات الطبيه الخاصه أو تلك التي تفشل معها الأدويه, ومنها الجراحه بختلف أنواعها وزراعة جهاز خاص لتحفيز العصب المبهم أو الحائر  (Vagal nerve stimulator), والحميه الكيتونيه (Ketogenic diet)



المصدر: مجلة فكر الثقافه العدد الخامس -

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...