الثلاثاء، 17 فبراير 2015

النضال في سبيل الديموقراطية

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 16-02-2015



الساحة والميدان والشوارع والباحات ليست مكاناً دوماً للشرفاء المطالبين بحقوقهم المنزوعة، كما أنها لا تعبر أحياناً عن نبض الأغلبية من الضعفاء والفقراء اللاهثين وراء لقمة الخبز المرة، لكونها قد تستغل من الأقلية فتصنع منها مكاناً لاعتراضها وقد تجعل من الأغلبية المغيبة التابعة صوتاً لهدير جموعها؛ وفي كلا الحالين سيبقى الميدان مشغولاً ممتلئاً بالمتظاهرين المحتجين الساخطين الناقمين أياً كانت اتجاهاتهم ومطالبهم، بينما المتضرر بالنهاية وبشكل عام الدولة واقتصادها الهش، فيما يندب حظه ويولول من تطل شقته وسكنه على ساحات الفوضى وأي من نقاط التماس؛ فمصدر إزعاجهم لا يقتصر فقط على الهتافات، بل ينالهم جانب وجوانب من الغازات المسيلة للدموع ونشاز أصوات الفوضويين.
أتعلمون من أكثر الدول الأوروبية تظاهراً؟ إنها اليونان، ومن أكثرها قلقلة وإضطراباً وفوضى آسيوياً؟ بنغلاديش، ومن أكثرها عربياً؟ دول ما يسمى بالربيع العربي، وإن كانت تونس قد خرجت من رحمهم سالمة ولو إلى حين!
جميعها دول تنادي بالديموقراطية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة والتغيير، ولكن لنرَ ما فعلت بها فوضى تطبيق الديموقراطية واستعجال مخاضها.
في اليونان تفشى الفساد في أغلب أركان الدولة، وتعاقبت حكوماتها على عدم تقديم الحقائق لشعبها، حتى أغرقتها الديون وباتت ـ إن لم تكن ـ على حافة الإفلاس ومهددة بالخروج من الاتحاد الأوروبي الذي ضاق ذرعاً بها رغم ضخامة المساعدات المالية المقدمة لها. لا يكاد يخلو يوم فيها دون مظاهرات واعتصامات وإضرابات تسيرها المؤسسات النقابية والأحزاب اليسارية التي لم تعِ أن عدالة المطلب مرتبطة بالمرحلة ووفق ظروفها، فلا أحد يملك العصا السحرية لحل مشاكل عقود متراكمة دون إجراءات مؤلمة يتفق عليها الجميع، ويتم تنفيذها والعمل بها دون استثناءات، إن توفرت الإرادة والعزيمة.
في بنغلاديش دمرت الديموقراطية المنشودة الدولة الأكثر فقراً وفساداً في العالم وقسمتها إلى حزبين تحكمهما امرأتان، إحداهما الشيخة حسينة وهي ابنة الرئيس الأول لبنغلاديش مجيب الرحمن، والأخرى البيجوم خالدة ضياء الحق زوجة رئيس لاحق انقلب على الأول وأعدمه. دولتهم تعد الأفقر عالمياً والأكثر فساداً والأقل تعليماً وفي المقابل جزء كبير من الشعب مسيس ومتحزب بتعصب وغلو ويعي السياسة الداخلية لحزبيه أكثر من معرفته حروف هجائه!
في دول الربيع العربي ثالث أمثلتي؛ جزء لا بأس به من الشعوب متعلم ومثقف لكنه مسير وموجه من قبل إعلام وقبائل وقوى حزبية وانتماءات مناطقية وعشائرية ودعاة ثقافة ومعارضة، إما كرتونية صنعتها السلطات السابقة أثناء فترة حكمها، أو أخرى ما زالت تعيش في أبراج عاجية ولم تختلط بالعامة لتعي حقاً مطالبها واحتياجاتها. جميعهم استغل عاطفة الجماهير الجياشة وشوقها للحرية والعدالة والعيش بكرامة، فتلاعبوا بها وزرعوا فيها عبارات رنانة كدولة القانون، وقدسية القضاء، والثورة مستمرة؛ فتحمس لها جيل منتفض من الشباب، ولد في زمن الديكتاتورية. تنشق الحرية لكنه أخطأ حين ظن أن الديموقراطية مقدسة، فهي الأخرى من صنع البشر وليست منزهة عن أن تطوع وتفصل بالمقاس الذي يراه أهل الرأي والاعتراض مناسباً لهم. فأساؤوا لها ولهم ولشعبهم، وأظهروا للعالم الآخر وجهاً آخر لتداعيات الحرية التي يسعى إليها العالم العربي العطش بعد ظمأ عقود من التسلط.
الغرب المستعمر السابق لهذه الدول بات مقتنعاً بالنظرية أكثر من دعمه الانقلابات على الحكم عبر الثورات المسلحة، فقد أدرك أن منح شعوب العالم الثالث فرصة لتطبيق الديموقراطية سيُحدث الفوضى الهدامة التي نراها اليوم في ديموقراطيات الربيع العربي. فبممارسة شعوبها المتعطشة لها حادت عن الطريق وأمست بها أكثر تبعية وفقراً بعد لهاثها وراء سراب العدالة الغائبة، فأطّرت الفساد الإداري والعدلي والاقتصادي والإعلامي برداء بالٍ من الشعارات المستهلكة.
هل نعي الآن ما فعلته بنا الديموقراطية، أو ما ألصقنا بها جزافاً، وهل ما زلنا نتمناها ونسعى إليها كَحَلٍ لجميع مشاكلنا، أم الأجدر بنا بناء مجتمعاتنا من الصفر مجدداً على مفاهيم ومطالب أكثر جدوى تحقق العيش بحرية وكرامة وعدالة ومساواة!



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2015/02/16/221520/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b6%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d8%a8%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%88%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...