الجمعة، 6 فبراير 2015

مفهوم المجاملة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 06-02-2015

 


المجاملة ليست كما يظن البعض درباً للنفاق والمداهنة والحصول والوصول لغاية أو مصلحة، وإن كانت تدخل أحياناً ضمن الإطراء والتملق عند البعض. بعد فراغ الساحة من جحافل الشعراء أو نقصانهم، وقد كان بعضهم جارح القول ماجن الشعر فيما قرض، إلا أننا لا بُد أن نُقر بأنهم أورثونا مرجعاً أدبياً وشعراً ملهماً تُغُنيَ به، على النقيض من شعراء الحداثة دون تعميم، أيامنا هذه، ممن توفرت لهم كل السبل والتكنولوجيا الحديثة التي لو توفرت للعاشق الولهان طرفة بن العبد لما اضطر المحب لحمل رسالة قادته إلى حتفه، ولكان استخدم تويتر أو فيسبوك أو حتى البريد الإلكتروني لإيصال الرسالة لمن يريد دون أن يخاطر بحياته. وكذلك الفارس الأسمر المغوار عنترة بن شداد، ربما كان أقل عناء له لو استخدم الـ«بي بي» وما اضطر لخوض الغزوات وإبراز المهارات القتالية وقرض الشعر وتحمل مساومات حميه (والد عبلة).
صدقوني لا تدخل المسألة ضمن المزاح الثقيل ولا التهويل أو المبالغة، بل هي حقيقة ماثلة للعيان امتد تأثيرها ليصل بعض السادة السياسيين وصناع القرار، فأتحفونا بنهج جديد قائم على التهويل والتطبيل والممانعة والمقاومة لإرضاء الأتباع وتخويف الخصوم بمصطلحات رنانة كدائرة العنف والعقاب الجماعي.
امتد التأثير للإعلام فقدم لنا «المحلل» و«الخبير» و«المتتبع» و«المتخصص» وكل الألقاب الأخرى التي لو كان حقاً ملقَّبوها جزءاً من تركيبتنا السكانية في العالم العربي والإسلامي، ما كان السواد الأعظم منهم يعيش خارج أوطانهم وبلدانهم!
تدويل المجاملة أو عولمتها أصبح سمة العصر، فما كان يعد مخالفاً للأعراف والقيم ونفاقاً ومداهنة سابقاً أصبح ضرورة هذه الأيام، والأمثلة لا تُحصر. فهناك دوماً إسرائيل التي وحدت بين قلبي اليمين واليسار الأمريكي، أي الحزبين الجمهوري والديموقراطي بدعمها اللامحدود وغير المشروط لهما، وليس انتهاء بقدسية الحرية الفرنسية التي تُجرم انتقاد الهولوكوست، لكنها تحمي حرية الرأي وانتهاك كل ما هو مقدس لدى الآخرين.
الازدواجية في المواقف تظهر بوضوح حين يُطالَب أتراك اليوم بما اقترفته الدولة العثمانية بحق الأرمن، فيما الجزائر التي ضحت بأكثر من مليون شهيد لنيل استقلالها لم يعتذر لها أحد، وكذلك البوسنة والهرسك التي تعرضت لأبشع مجازر عرقية، وإحداها كانت في سيربينيتسا التي كانت بحماية الفرقة الهولندية التي لم تحرك ساكناً وكأن لسان حالها يقول «ماكو أوامر»!.. يضاف إلى ذلك وعد بلفور سيئ الذكر الذي أعطى فيه من لا يملك من لا يستحق، واستعمار أفريقيا لعقود ونهب ثرواتها.. وإبادة الهنود الحمر.. والقائمة تطول، للدلالة على عدالة مبصرة وليست عمياء، قامت على الظلم، بل على المصالح وأحياناً على المجاملة!



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2015/02/06/218778/%d9%85%d9%81%d9%87%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%a7%d9%85%d9%84%d8%a9/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...