الثلاثاء، 30 يونيو 2015

التطرف لا يعرف هوية

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرياض 27-06-2015



هل داعش أو أي تنظيم مسلح يتبنى مبدأ «أنا من يمتلك الفهم الصحيح للدين ومن سواي كفرة وضالون» وتبناه كفكر أفراد من الشباب المتحمس، الساعي لإشباع طموحه الديني تارةً وأخرى ناقم على أوضاع سياسية واجتماعية؛ هو نتاج ثقافة دينية سادت فترات طويلة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، أطرها خطاب عقائدي متشدد، ترك دون توجيه أو حتى تحجيم لتحقيقه وقتها مصالح دولية ومحلية، أم هو نتيجة طبيعية إنسانية تفرضها ظروف مرحلية وتراكمات طويلة من الشعور بالغبن والقهر وقلة الحيلة في التصرف، أدت لتبني فكر يقوم على التغيير بالقوة، والانتقام لإشباع غريزة الثأر أياً كان أسلوبه وطريقته، ووجد في سبيل ذلك من يُحلله ويُبرره ويشجع عليه، ويُثني على من يقوم به، مُبشراً إياه بالثواب والأجر الكبير والفوز بالآخرة، حتى لو كان الفعل هو القتل والتدمير والتفجير وأي عمل يندرج في العرف القانوني الدولي والإنساني ويُصنف إرهاباً!
ما الفرق بين الفكر المتشدد بغلافٍ ديني والحركات القومية المطالبة بالاستقلال، واليسارية التي نادت بالمساواة، والراديكالية التي دعت لاستخدام القوة، والتي شاعت في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم. ألا يُعد جميعهم متشابهين في التصرف والمنهج الذي عملوا به، والذي دعا لانتهاج الكفاح المسلح «كما يصفه منظروهم» والعمل العسكري المنظم، عبر جماعات شكلها أفراد مؤمنون عقدياً وأيديولوجيا بها، وشكلوا الوسيلة لها لتحقيق أهدافها تجاه مجتمعاتها او الدول الأخرى للفت الانتباه لمطالبهم وتحقيق أهدافهم وغاياتهم!
ما الفرق بين «داعش» على سبيل المثال والجيش الجمهوري الإيرلندي الذي حارب الانجليز البروتستانت لأجل استقلال ايرلندا الشمالية عن التاج البريطاني أو الجيش الأحمر الألماني (RAF) أو جماعة ١٧ نوفمبر اليونانية والألوية الحمراء الإيطالية وتنظيم الباسك المسلح (ETA)...، والقائمة تطول!
ما الذي يجعل الأولى والتي أعطت لنفسها حق إعلان الخلافة الاسلامية إرهابية «وهي التي بلا شك مجرمة»، فيما التنظيمات الأخرى وطنية، وألا يعدون -كما يعتقد المؤمنون بها وأتباعها- تصرفاتهم انتفاضةً إنسانية رغم قسوة ودناءة الخيارات التي انتهجوها لتحقيق غاياتهم وبشاعة مآلها، وحجم الخسارة الذي يصيب العامة فيها أحياناً على حساب الجهات المستهدفة. اليس من الميكافيلية أن يُقنع كل صاحب هدف ومبدأ وقضية أياً كانت وبغض النظر عن مشروعيتها وأحقيتها نفسه بأن غايته التي يسعى لتحقيقها تُبرر له الوسيلة، حتى لو كان ما قد ينتج عن العمل قتل لأبرياء تواجدوا في المكان الخطأ والزمان غير المناسب، ودمار لأملاك أشخاص ليس لهم علاقة عدا كون ما يملكون وقع عليها الاختيار لتنفيذ العمليات التي تستهدف أناساً آخرين ذنبهم الوحيد أنهم يختلفون مع الجناة أيا كان صاحب الحق!
اندثار الحركات اليسارية الراديكالية المسلحة والمتطرفة في القرن العشرين ناتج عن إقرار دولها بها، واعتراف السلطات بخطرها، ومن ثم دراسة دوافعها وتوجهاتها وطبيعة من ينضم إليها، والعمل لاحقاً على ازدواجية متزامنة للقضاء عليها عبر محاربتها والقبض على المنتمين لها، وتجفيف منابع الدعم، ولكن يوازي ذلك استقطاب المؤيدين المدنيين معها والمتعاطفين عبر العمل على تغيير ما ينكرونه واستحداث حلول عملية لمطالباتهم دون الإضرار بمصالح أيٍ من الطرفين.
تختلف حركات التطرف الديني وداعش أهمها الآن بعد اضمحلال دور القاعدة والتنظيمات الموالية لها في العالم العربي والاسلامي: عن الحركات الآنية القومية واليسارية الراديكالية بكونها تعمل على رقعة جغرافية أكبر ولا تقتصر فقط على دولة أو مجتمع وبيئة بعينها. كما أنها لا تتشكل من مكون عرقي واحد، بل تعتمد على دعوة عقائدية تستقطب كل مؤمن بتيارها من شتى دول العالم، وبالتالي وجودها في حد ذاته يخلق مشكلة دولية ليس فقط في المكان الذي يتواجد فيه هؤلاء الأتباع لحربٍ ما، وإنما أيضا لدولهم حال عودتهم اليها واستئنافهم نشاطهم العسكري فيها بغرض التغيير أيضاً.
برأيي داعش أو حالش أو أي ميليشيا عسكرية تنتهج القتال المسلح ولكن عبر أيديولوجيا دينية اقصائية تكفيرية هي التطرف العابر للحدود، وهي التي سيمتد خطرها يوما لمن تغاضى عن تكوينها ودعمها بشكلٍ غير مباشر وسهل تجنيدها للأتباع لأنها تحقق أهدافه أياً كانت. ستنقلب عليه يوماً، وسيتحول أتباعها المضللين لقنابل عشوائية موقوتة ستستهدف دولها والجميع وعلى حدٍ سواء وفي أي مكانٍ تتواجد فيه، ولن تجدي معها المؤتمرات ولا القرارات الدولية، وإنما سياسة جديدة تقفل عليها الأبواب عبر تغيير الخطاب الشائع دينياً أياً كان المذهب، وتحقيق العدالة الاجتماعية، التي لا تنحصر مسؤوليتها فقط على دولها فقط، وإنما تشمل أيضاً العالم الأول الذي يدعو للديموقراطية في مكان ويتشدق بها، بينما يدعم الديكتاتورية والقمع والظلم في أماكن أخرى!


المصدر: جريدة الرياض - http://www.alriyadh.com/1060443

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...