الأربعاء، 19 أغسطس 2015

سُنة وشيعة.. دين واحد وخلاف حول التاريخ!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 19-08-2015


هل لو كان علي ومعاوية والحسين بيننا سيرضون بما يرتكب ويُقال باسمهم؟ وهل ستتحرك ضمائرهم، لوقف ما يحدث، إن وعوا لحظتها أن حجم الفتنة التي ستنتج عن الخلاف ستستمر أكثر من ألف وأربعمئة سنة، وستفرِّق المسلمين لشيع وطوائف، وستتسبب في هدر آلاف الدماء، من غير وجه حق، عدا أن فلانا ما زال يبكي على أحداث جرت قبل أربعة عشر قرنا، وآخر يدافع عنها وينافح؟!
 
التاريخ، وعلى مرِّ العصور، شهد أحداثا عظام، لا يمكن أبدا تخيُّل بشاعتها، ومع ذلك، لم تتوقف مسيرة الكون عليها، واستمرت الحياة تستبدل أقواما بآخرين، تجاوز أغلبهم فتنا وأحداثا جسام، إلا بعض من تلك الطائفتين ما زالوا مصرين على أن يجعلوا الياذة الكُره مستمرة، باللطم والصراخ والعويل.. وهم للعلم، لن يغيِّروا شيئا مما جرى، ولن يقدروا على التكفير عن ذنبٍ اقترفه أجداد الأجداد، في زمن كغيره، تعرَّض المسلمون فيه لفتنة تجاوزها في وقتها أغلبهم، فيما استمر في تأجيجها مَن جاء بعدهم بمئات السنين.
 
البروتستانت انقلبوا على الكاثوليك، وخرج مارتن لوثر بدعوته الإصلاحية، التي حاربتها كنيسة روما والكنائس الكاثوليكية الأخرى، لكن كلتا الطائفتين، وبعد المئات من سنين العداء والحروب والتكفير والتضليل، تقبَّلوا بعضهم بعضا، رغم اختلافهم العقدي، وآمنوا في النهاية أن الدين لله، وهو سبحانه الحكم العدل، والوطن بعدها للجميع، فتعايشوا وتصاهروا وتمازجوا، حتى نتج عن تقبلهم لاختلافهم المذهبي رغبتهم في وحدتهم الجغرافية، فتمخض عن سعيهم ومحاولات لمّ شمل السوق الأوروبية المشتركة، التي تحوَّلت في ما بعد للاتحاد الأوروبي، الذي يضم في جنباته ملل المسيحية، ليس فقط الثلاث الرئيسة؛ الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذوكسية، وإنما ما انشق عنها، حتى استوعب مَن لا ملة لهم ولا دين، لكن في النهاية يجمعهم الوطن الواحد، والوحدة التي أعادت لمّ شملهم، بعد سنوات الظلمة والاقتتال والجهل الأوروبي!
 
كمسلم مؤمن موحد، أظن - والله أعلم - أن طائفتي هي الناجية، لكن؛ هل يمنحني اعتقادي هذا الحجة، كي أكفّر الآخرين وأضللهم وأحاربهم، وأجعل غرضي وهدفي هو قتالهم، وهم لم يؤذوني، لا في مالي ولا ولدي ولا وطني؟ أم أن الأولى، كما الأجدر، أن أعلم نفسي كيف أتعايش معهم، أيا كانت درجة الاختلاف الديني والمذهبي، فأترك الحكم في الأمر لخالق هذا الكون وراعيه، الله جل جلاله، بدلا من أن أحرِّض وأبث في العامة من الاتباع سموم الكراهية، التي يغذيها تطاول العقيدة الدينية على مقدسات ومسلمات الآخر المختلف في المذهب؟
 
ألم يأمرنا الله سبحانه وتعالى، ثم رسوله الكريم، بعدم السب أو الخطأ في حق آلهة غير المسلمين.
 
لمَ تطرَّف بعض علماء الدين في آرائهم، للدرجة التي جعلوا منها مذهبهم قائما على الكُره والحقد والقذع، وأوجدوا فيه ما لم يكن فيه من الأساس، لو دققت في تاريخه؟
 
الدين الحق القويم كمله الله، عز وجل، بكماله، وأوجد مصادر تشريعه، التي اقتصر دور المؤمنين فيها على القياس والاجتهاد، وأمرهم بألا يبتدعوا فيه، ما لم يكن، فالبدعة وإن بدت بادي الأمر كفضيلة، إلا أنها ضلالة تقود إلى النار، لذا ليس من حق أي مدعٍ للعلم الشرعي أن يوجد في الدين ما ليس فيه من الأقوال والقصص، التي لو ترك أمر سردها لكل متحدث أو داعية، لابتدع فيها، وأوجد ما لم يكن، ونشرها، ظناً منه أنه في ما فعل يتقرَّب إلى الله سبحانه، بينما هو يعصيه!


المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=214742

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...