الأربعاء، 29 يونيو 2016

سياحتنا غير

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 22-06-2016



تخيلوا لو أن واحدة من دولنا العربية المحافظة والعامرة بالماء والخضرة والوجه الحسن والأجواء اللطيفة والقوانين المنظمة لشتى شؤون الحياة اشتهرت عالميا وأصبحت وجهة سياحية مستقطبة للسياحة من جميع دول العالم، وخصوصاً البلدان الغنية منها والمتطورة، أي العالم الأول كما يُسمى. المهم (ومازلنا نتخيل)، لو أن جموع السياح التي غزت ذاك البلد مارست الفوضى وعاثت خراباً وهمجية ولوثت الأخضر، فحولته إلى يابس ومارست هواية الشوي "الهشّ والنّش" في الحدائق العامة المخصصة للنزهة العائلية والممنوع إشعال النيران فيها، بل زادت على ذلك وقنصت بطاً بريئاً يسبح في البحيرة مرتاح البال وآمن وذبحته وعملت منه مندي أو مظبي أو متشبوس، أياً كان، وقامت بعد ذلك وصورت فعلتها الشنيعة وجاهرت بها بوسائل التواصل "السوشيال ميديا"، فيما آخرون منهم وباسم الحرية الفردية التي يتمتعون بها في دولهم؛ نزلوا على الشواطئ شبه عراة رجالاً أو بالبكيني نساءً، ولم يكتفوا بذلك، بل أشعلوا نيراناً وتجمعوا حولها ورقصوا وهم يدورون مقلدين الهنود الحمر، فيما قناني الشراب والخمور مرمية في كل مكان، وصوت موسيقى غريبة تصدع بالمكان دون مراعاةٍ لحرمة المستجمين والعائلات والأطفال ولا قوانين الدولة التي لا تسمح بالتعري في الأماكن العامة ولا تدخين الشيشة والنرجيلة ولا المسكرات.. تخيلوا ماذا سيحدث لهم؟ وهل سنعذرهم لارتكابهم الموبقات ولانتهاكهم القوانين وسنسجنهم ونقدمهم للمحاكمة، فيما عُذر دفاعهم عنهم وقتها إن حصل سيكون أنهم من الغرب مثلاً وهذا نمط حياتهم وليس من حق أحد تغييره، أو في مرافعة أخرى يُظهر فيها مدى عنصرية العرب والمسلمين الذين لا يتقبلون الآخر "الكافر" ويفسرون أي تصرف لأفراده من هذا المنطلق؟!
 
لنرجع الآن للواقع ونتوقف عن التخيل، ولنستعد وعينا وإدراكنا ونعيد الأمور لنصابها، أي لنعترف أن الغرب الذي تخيلناه في الموقف أعلاه وللأمانة قد تربى على احترام القوانين، وكتبعية لذلك حين يسافر للخارج "الأغلبية" تمتثل لقوانين البلد التي تنوي زيارته والسياحة به، فهي مثلا إما تلبس "عباية" أو تضع منديلاً على الرأس في الدول التي تجرّم خروج المرأة من دونهما، كما أنهم وبالتأكيد لن يمارسوا العري على الشواطئ ولن يشربوا الخمور في العلن، ولن يقوموا باصطياد الحيوانات والطيور في الحدائق والمحميات الطبيعية، ولن يرقصوا المكارينا ولا السالسا أمام المارة، بل وبكل بساطة سيلتزمون بقانون البلد المضيف، الذي أوضحته لهم إما وزارة خارجيتهم أو سفارة بلدهم فيه قبل حضورهم إليه، وأطلعتهم على المسموح به والمنهي عنه، والنتيجة ولنقل التزام ما لا يقل عن ٩٥ بالمئة‏ منهم، في نسبة لو قارناها بأفواج العرب السائحة لانعدمت إلى ما دون الربع أو يزيد، والشاهد ما يخرج من قوانين وتصريحات وكتابات وتقارير تلفزيونية من تلك الدول السياحية تستهجن ما يفعله السياح من ربعنا في أراضيهم، وانتهاكهم لأبجديات الأخلاق والحرية العامة والممتلكات، التي حولها "الربع" لمجالس لنفث سموم شيشتهم وشوائهم في هوائهم الطلق، منتهكين مثلا حُرمة ومكانة برج إيفيل لدى الفرنسيين أو الهايدبارك عند الإنجليز. لكنهم، وما إن يُمنعوا أو يُعاقبوا ويغرموا وتنتشر قصتهم إلا ويبدأ المنظرون باتهام الغرب بالعنصرية وبالعداء للعرب والمسلمين، متناسين أنهم حتى لو كانوا كذلك فمعهم حق بعد ما رأوا من أُمة المليار ما لا يقبله عقله ومنطقهم وقوانينهم الوضعية التي تربوا عليها من صغرهم، وسيصيبهم بالصدمة أن يرو الغريب ينتهكها بحجة السياحة في بلدانهم!
 
ملاحظة: أقر أني لست بتغريبي ولا أستشهد بالغرب إلا من باب إيضاح ما وصل إليه عالمنا العربي والإسلامي، ولا أرى فيهم مخلوقات فوق العادة أو من جنس آخر مختلف عنا، بل فيهم الصالح والطالح، فالمسألة بالنسبة إلي لا علاقة لها بالدين والعرق واللون، وإنما بالأخلاق والقوانين.


المصدر: جريدة الكويتية -  http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=371260

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...