الأربعاء، 10 أغسطس 2016

رومانتيكيون!!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 10-08-2016



عجزت أن أفهم وأستوعب ما هي الرومانسية، ولماذا تشكل بطريقة غير مباشرة محور حياتنا؟ ولست مخطئاً إن وصفتها بأنها الشيء الأكثر استهلاكا لوقتنا، وإن نفينا ذلك عنا أو استهجنه البعض منا
 
كيف يكون ذلك؟ لنبحث معا ونراجع أحداث يومنا.. حين تنطلق بسيارتك، لابد لك أو ربما لغيرك أن تطرب لأغنية، فتنسجم وتعيش في جوٍ من أحلام يقظتك لما تسمعه وتردده، فيما شريط من ذكريات مجهولة يتراءى أمامك، لأحداث حصلت أو ربما تتخيل حدوثها أو تتمنى.
 
هل من الممكن أن نصف ما جرى للتو لك بالرومانسية، وألا تُعدُ تلك اللحظات التي انقطعت بها عن الدنيا شكلا من الشاعرية، أم هي ربما فقط مشاعر جميلة تلطف جفاء الروح وتبعد عنك رتابة ما حولك؟
 
حين نشاهد فيلما، أياً كان، وحتى لو كان مرعباً أو حربياً، ننتظر المقاطع التي تصدح بالعاطفة رغم قسوة الظروف المحيطة بها، ونتفاعل معها، ونشعر بوقعها على أنفسنا وكأنها حقيقة تحدث معنا، متناسين أن ما شاهدناه للتو وزلزل جبل الجليد الكامن بداخلنا هو تمثيل، أو بلغة أكثر صراحة "كذب جميل"، صنعناه بأيدينا ومن ثم صدقناه وتفاعلنا معه، ليصبح ما يحرك فينا الرياح الخاملة التي تتولد لتعصف بالجمود، فتحدث أثراً نحس به باللوعة التي نستمتع بها، رغم ما تحدثه من ـلم لنا، إلا أنها كمدمن العلقم الذي يكمن سبب حياته في إدمانه عليه رغم مرارته!
 
سألت صديقاً: هل أنت رومانسي؟ فأقسم أغلظ الأيمان أنه كذلك، ومن دلائله التي استدل بها، تلك الليلة المطابقة لعيد زواجه، حيث استأجر غرفةً في فندق دون علم زوجته، التي على حد وصفه كاد يغمى عليها حين دخلتها مغمضةً عينيها، وما إن أبصرت بها مجدداً حتى رأت طريقاً من الورد الأحمر المنتهي بزخاتٍ منه على سرير النوم!
 
روى لي آخر (والرجال سرُ بعضهم)، أنه من واقع خبراته وممارسته وجد أفضل سبيلٍ لها عبر الورد، فهو الذي يتحدث لغة القلوب وقادر على احتواء أعتاها وأكثرها صلابة، ويكفي أن تهديه لمن تُحب لتتملكه!
 
بالفعل هناك من يرى الرومانسية بدباديب وقلوب وهدايا فاخرة ووجبة عشاءٍ وسط أجواء رائعة، وهناك من يراها مودة ورحمة، فيما آخرون يجدون لذتها في الهمسات واللمسات وسط أضواء الشموع.
 
هي روح المحبة التي ولدت مع البشر منذ الأزل وليس لها عمر أو تاريخٌ تُعرفُ به، فحتى رجل الجليد والغابة والجاهلي عرفوها طريقاً للتلذذ بالحب، ومارسوها بطريقتهم الخاصة، وكذلك الأجداد ممن زرعوا الحقول ورعوا الغنم وجابوا الأرض على دابتهم طلباً للرزق وسعيا لتوفير مكارم الحياة، شعروا بها وربما تفننوا فيها أكثر من رومانسيي زمننا هذا، الذين اختلطت مفاهيم البعض حولها فربطوها بالغنى والثراء والمظاهر المبالغ فيها والهدايا الفاخرة ، فيما يفترض بنا أن نراها بالمزيج مما سبق وصفه، ولكن بتلقائيةٍ ودون اصطناع وبنفسٍ طيبة متعلقةٍ روحها بشريكها الآخر رغم كل ما قد يُعكرُ صفو الحياة بينهما.


المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=373372

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...