الأربعاء، 24 أغسطس 2016

سيرة الحب.. من درويش إلى نزار

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 24-08-2016



ما أروع درويش حين علمنا مُبكراً درساً يجب ألا ننساه، حين نفى وأكد أن الحب ليس بالرواية الشرقية، التي بختامها يتزوج الأبطال، كما جرت العادة ودأب مخرجو الأفلام العربية وكتّابها على تصويره، فيما أفنى ومن جهةٍ أخرى فيه نزار عمره دون أن يجده بعد فقدانه لبلقيسه التي نال منها غدر المتحاربين، لكنه ومع ذلك خلد لنا ماءً فراتاً يروي ظمأنا لتلك الأنثى العبقة بجنون الهوى، التي نلهث خلفها على غير درايةٍ بطريق الظفر بها، ودونما أي أملٍ بأن نجدها، لكننا ومع ذلك انتشينا للتيهان في غياهب سكرها، الذي لا يُروى منه من ذاق رحيق قطرات تجمعت على شفاهها، وسقطت بعد أن تناغم فيها وتثاءب متوردا في صباح يومٍ يافٍ تتعانق فيه أمواج البحر مع غيوم سمائه، ونسمات هوائه التي أعلنت عن غجريتها وجنونها حين لامست خصلاتٍ من شعرها المجنون المنسدلة دون نظامٍ على كتفيها!
 
مع درويش مجددا، الذي تنبأ بحسه الإنساني بنا وبما سيؤول إليه حالنا حين قال لنا "بالأمس كنا نفتقد الحرية.. واليوم نفتقد المحبة.. لكنني خائفٌ من الغد لأننا سنفتقد الإنسانية!".
 
بالفعل فقد ضاعت منا وذهب معها أجمل ما يجعل منا بشرا نُحِّب ونُحَّب، وتحولنا لكائناتٍ غليظة جلفة أنانية، في لحظات قوتها تُمارس سطوتها وجبروتها، وفي أناتها وانكسارها تُبالغ في وداعتها وتذللها، وتُظهر حنانها، وتلهث خلف هوى الآخر وحبه، ممرغة جسدها في مبالغاتٍ تظن أنها لما تفعل ستجعل منها عاطفية رومانسية تكتسب ود نصفها الآخر الذي أهملته في جنون عظمتها لحظة تبسم الدنيا لها، لكنها الفانية التي أشاحت لها ظهرها، وتركتها ترجو غفراناً لن يكون لنفسٍ بشريةٍ أنانية ظنت نفسها قد ظفرت فيما خسرت وخابت ظنونها.
 
في جعبة هذين الشاعرين العربيين الراحلين قصصٌ تُروى سطراها بأشعارٍ جعلت كلاً منهما رمزاً تُميز به وعُرف، فغنى لهما من تغنى بأبياتهما وبقت البقية العظمى منها ترددها الألسن كلما حظرتها حادثة أو موقف، أو نمى لمخيلتها ما يثير شجنها فرددتها مراراً وتكراراً وكأنها تستمد منها الشغف والحنين والرغبة، التي ندرت رغم ادعائنا وجودها وتغير شكلها مع زحمة الحياة وما أكسبتنا إياه من غلاظةٍ وجلفة أبعدتنا عن أجمل ما يجب أن يكون فينا كبشرٍ خلقنا كذكر وأنثى.


المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=374771

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...