الخميس، 1 سبتمبر 2016

جريمة بحجة الشرف!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 01-09-2016



اسمحوا لي اليوم أن أكتبها صراحة حين أصف القانون الوضعي المعمول به في عديد من الدول، الذي يبرئ قاتلاً بحجة صونه الشرف، بأنه عديم شرف وليس من الدين ولا الأخلاق من شيء، وأفضل وصفٍ له بعيدا عن النعت بالرجعية والتخلف هو "البربرية"، التي تُبرر لذكر في أسرة أو قريب أن يسفك دم أنثى تنتمي لنفس الأسرة، لأسباب "يروجوا" أنها تتعلق بارتكابها "عمل غير أخلاقي" كالزنا والعلاقات غير الشرعية والصداقة موضع الشكّ، من اجل الحفاظ على ما يسموه شرف العائلة عبر غسل العار! 
هذا القانون الذي يوفر السبيل للسفاح كي ينفذ بجلده، يطبق فقط وتتهدج به الصدور حين يكون من أخطأ أنثى، وقتها تتفجر حمية الذكر وكل من يمت لها بصلة قرابة، وبدعمٍ من مجتمعٍ مصاب بفوبيا المرأة والجنس، فيقوم جلاد العرف والعادات والتقاليد البالية بانتهاك روح الآدمية أياً كانت الطريقة، شنقا أو خنقا أو ضربا أو بالسكين والسلاح، لأنها وكما يتذرعون انتهكت شرف العائلة و "مرمغت" سمعتها بالتراب، لذا وجب الاقتصاص منها على يد أقرب الناس إليها من الذكور وحتى لو كان هذا الأخ أو القريب القاتل بالأمس ربيبها الذي كانت تطعمه وتربيه وتسعى لسلامته وراحته وتمسح عنه قذارته! 
حالنا كعرب في هذا الشأن القبيح كعديد من الشعوب الأخرى الإسلامية وغيرها، التي تتشارك جميعها رغم الفقر بالحميّة التي لا نراها منها حين تنتهك آدميتها وتستعبد؛ بل فقط حين ترتكب أنثى خطأً لا أحد معصوم منه، ولكن لأن جنسها ما يميزها عن الذكر ويجعلها دونه وفق العُرف الجاهلي، فجريمتها لن تغتفر ولن تُمحى من الذاكرة إلا بإلغاء وجودها الذي باستمراره سيكون وصمة العار الأزلية. بينما ذكور العائلة ومنهم المُدمن والفاجر والسكير والعربيد والمُغتصب والسارق والزاني؛ مهما فعل فذنبه مغفور والدعاء له واجب وتوبته مقبولة مقدماً، والخطأ مهما كان حجمه ليس بذنبه، بل إثم شيطانة اسمها فتاة أغوته فمارس معها الخطيئة بعد أن وعدها بزواج لاحق وعلاقةٍ شرعية.  
هي حتى وإن غرر بها مُدانة ومتهمة وسيطلق عليها الفاجرة الفاسقة ولن تجد من يترحم عليها ويدعو لها ويلتمس العذر أو حتى يقبل توبتها، فالذنب ذنبها وهي الضعيفة التي سمحت لذاك الوديع البريء أن يدنس عفتها، التي لا يُسأل عنها سواها، فإن فقدتها في لحظة طيش أو عاطفة فقدت معها حقها في الحياة، ويجب عليها أن تدفع روحها ثمنا لا يكفي. 
أستغرب من البلدان التي ما زالت محاكمها تبرئ القتلة وتخفف العقوبة عنهم فيما يُسمى بجرائم الشرف، التي يُمارس فيها المجرم قانون الغاب على صلة رحمه بدعمٍ ممن حوله ودونما شعورٍ بالإنسانية، فبدلاً من أن يُقتص منه، يتم تبرير فعلته ويُحتفل به رغم كونه سفاحا أحل دماً حرم الله سبحانه وتعالى قتلها إلا بالحق!
الأغرب من القانون ذاته هو استماتة الأغلبية من ممثلي الشعب وقادته وقانونيه وبرلمانيه ومثقفيه في الدفاع عنه ومنع إلغائه وقمع أي محاولةٍ تهدف للاقتصاص من مرتكبي هذه الهمجية والرجعية والإجرام غير المُبرر! 
إحصائياً، تشير تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى ارتكاب 5000 جريمة قتل بحق النساء تحت ذريعة شرف العائلة في العالم بشكل عام، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا بشكل خاص، أي بمعدل أربع عشرة جريمة يوميا، علما بأن الرقم الحقيقي لابد أن يكون أكبر بكثير مما هو معلن، وسط غطاء وحماية من العائلة وتخاذل السلطات التي تحتل دولها النسبة الأكبر من هذه الجرائم، دون إشارات على محاولات جدية من حكوماتها لتعديل القانون المتواطئ مع القتلة، والذي يشجع عدم عقابهم على ممارسة القتل بذريعة الشرف!


المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=375451

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...