الخميس، 29 سبتمبر 2016

رسالة للعقلاء فقط..الإنسانية ضد العنف

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 29-09-2016



يقولون ولا أنكر ما قالوا أو أنفيه، وإنما أدعوكم لعدم العيش على أطلاله، والمضي قدماً من دون لطم وعويل، وبخطى إصلاحية مجددة، لنكن الند الجدير بالرئاسة والزعامة:
 
فرنسا احتلت الجزائر ما يقارب القرن ونصف القرن، ولعقود استعمرت دول المغرب العربي الأخرى والأفريقية على السواء، وكذلك فعلت من قبل أسبانيا والبرتغال، حين اقتسمتا العالم وفق المرسوم البابوي "Inter Caetera" الذي أصدره البابا اليكساندر السادس عام 1493 لملك اسبانيا وملكتها، لينشأ السلطان المسيحي على العالم الجديد عبر دعوته إلى إخضاع السكان الأصليين وأراضيهم، وتقسيم الأراضي المكتشفة في وقته والتي لم تكتشف بعد إلى قسمين مشاطرة بين إسبانيا والبرتغال. قبلهم جميعاً وفي زمن سحيق يقدر بخمسمئة عام قبل الميلاد، شن الفرس حروبا ضارية ضد اسبرطة واليونانيين، خسروا على إثرها لكنها أسالت بحاراً من الدماء، كما حدث بعد ذلك في أوروبا في العصور الوسطى من مجازر عرقية وتوسعية ومذهبية راح ضحيتها الملايين، لكن العدد الأكبر كان في الحربين العالمية الأولى، والثانية، اللتان تجاوزت خسائرهما الـ50 مليون إنسان.
 
الأمثلة كثيرة لجنون البشر واحترافهم القتل، ولن تنتهي بزمان بعينه، بل هي سنة كونية يغذيها الاختلاف في العرق والدين والطمع والجشع وروح الاستعلاء شاء من شاء، أما من أبى فالانتقام منه هو ردة الفعل التي يسهل تسييرها هذه الأيام عبر رعاع متحمسة تظن أن دخول الجنة مرهون بقتل المدنيين الأبرياء، الذين لا ذنب لهم سوى أن سياسيي دولهم يتخذون مواقف ظالمة بحق دول أخرى. حينها يبادر المظلوم للانتقام، ولكن من برئ لا ذنب له إلا كونه يحمل جنسية تلك الدولة.
 
اللوثة الأزلية صعبة الاستئصال من تفكيرنا كعرب وكمسلمين هو ربطنا على الدوام مواقفنا بماضي الآخرين معنا، من دون أن نسعى لتغيير هذا الماضي لحاضر يماثلهم في القوة والتقدم. هو فكر محدود وقاصر يظن أن إسالة الدماء هو الحل لاستتابة الظالم، غير مدرك بأن ردة الفعل ربما اشد ضراوة وأكثر اجحافاً، فهو القوي في لعبة الأمم وصاحب الحظوة التي لا نمتلكها، فتجعل منه متقدما علينا فيما نحن خلفه بمسافة لا نفكر في طولها وإنما كيف كنا سابقاً وكيف نظلم حاليا، ولكن من دون أن نخطط لإزاحة هذا الظلم وتحويله لنصر وازدهار.
 
ما حدث وما زال بفلسطين، والعراق واليمن وسورية، جرائم لا تقبل النقاش، واستهداف العزل غير مقبول اخلاقيا ولا دينياً ولا إنسانياً، وحمى الانتقام يجب أن تترجم لأفعال تنتفض على الواقع المخزي بدل استحضار مجازر الماضي. أما الناقمون علينا بسبب استنكارنا لأي عمل إرهابي يستهدف المدنيين الأبرياء، فهم المصابون بفوبيا الغرب وكرهه، من دون أدنى محاولة للتصالح مع أنفسهم والتوصل معهم لاستراتيجية الندية وفق معايير النزاهة والتقدم والعلم والأخلاق.
 
الإنسانية يا أمتي لا تعرف الأحقاد في لحظات المصائب والكوارث، وإنما التعاضد والمساندة التي وحدها إلى جانب المثابرة بالعمل ستسهم في التقارب والتفاهم واحترام الحقوق.
 
للعلم فقط ومن باب التذكير، اميركا تضامنت مع بريطانيا في الحرب العالمية الثانية ودعمتها رغم أن الأولى استعمرتها وارتكبت مجازر بحقها حين طالبت بالاستقلال. كذلك فعلت فرنسا مع المانيا التي دعمت شقها الغربي عقب الحرب العالمية الثانية رغم ان هتلر احتل فرنسا وعاث بها فساداً. رفض شعب اسكتلندا حديثا في استفتاء شعبي دعوى الانفصال عن التاج البريطاني وآثر البقاء ضمنه، رغم ان البريطانيين ارتكبوا في السابق مجازر بحقهم وقمعوهم بوحشية حين طالبوا بحقوقهم.
 
لم تربط تلك الشعوب ما حدث في الماضي بمواقفها في تلك الأزمات وإنما بدأت صفحة جديدة في العلاقة الشعبية والرسمية، وكذلك ما يجب علينا فعله بدلا من تعديد ممارسات الغرب الوحشية حين كان هو القوي ونحن الضعفاء. هي ليست دعوة لنسيان الماضي الذي لا حاضر لمن فقده، وإنما لاستشعار دروسه وجعله حافزاً نحو حياة جديدة ندفن فيها عصور الظلمة ونبني وطنا عادلا يكرس للحرية ويراعي الديمقراطية وحقوق الإنسان.
 
لا بد أن نعي جيدا أن حملات العنصرية التي يتعرض لها العرب والمسلمون في الغرب هو أمر مثير للاشمئزاز أيضاً وضد الإنسانية التي تؤطرها قوانينهم، شأنها تدخل حكوماتهم في دولنا ونهبها لثرواتها وتغذيتها للتفكك والاضطرابات. جميعها أيا كان الطرف البادر منه تصرفات مرفوضة، يجب أن يعي قادة تلك الدول أنهم بسيرهم وفق هذا النهج يكرسون لوجود فصائل ناقمة تبتغي الثأر بأي وسيلةٍ أيا كان المُتضرر منها!
 
ستبقى الارض التي نحيا عليها ورغم القوانين الوضعية التي تسير الحياة بها عرضة لقانون الغاب الذي سينتج الظلم والقهر والعداء بين الأمم والشعوب، لكن الحكيم منها هو من يغير واقعه للأفضل الذي سيكفل له الاحترام كما الرهبة، فهلا وعينا ذلك جيدا وبدأنا ثورة على نمط تفكيرنا الذي كان له السبق دوما في رجعيتنا وتأخرنا ومواقفنا تجاه انفسنا قبل الآخرين.


المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=378296

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...