الأربعاء، 6 فبراير 2013

آدم وحوا في قفص الزوجيه‎

مقاله تم نشرها في صحيفة المرصد الإلكترونيه 05-02-2013

بقلم: عماد أحمد العالم



الزواج مؤسسه إجتماعيه عريقه وقيمتها تكمن بأنها الأقدم، فنشأتها منذ الخليقه ومنذ أن خلق الله سبحانه وتعالى أبونا آدم وأمنا حواء.
توحدت البشريه تحت مظلته، فلم يسبق أن عاشت أمه أو شعب على هذه الأرض لم تعرفه أو تمارسه، فحتى الأمم التي "مدنته" وأخرجته عن إطاره الديني، إعترفت به وآمنت أنه الرباط المقدس للجمع بين رجلٍ وامرأه، فكان لرجل الدين الدور الحاسم في إعلانه وجعله رسمياً، وما الدعوات المدنيه إلا طريقه إبتدعها البعض لإخراجه من مظلة الدين لمظلة الدوله، حيث تكون الشعائر وفق الديانه، لكن الحقوق تحفظها الدوله، فكان أن طبق ما يُعرفُ باتفاق ما قبل الزواج، والذي يحدد ما للأطراف وما عليها في حالة انتهائه.
من هنا اختلفت لدينا كمسلمين الرؤيا، فكانت الشريعه الحكم الفصل في حال نقضه، وقد وفت وكفت إن طبقت وفق المنظور الشرعي دون اجتزاءٍ أو انتقائيه، فلا علة فيها وإنما مكمن الخلل في القوانين الوضعيه التي تدعي الحفاظ على الحقوق، لكنها من أفسدتها.
طرفي المعادله في الزواج النقيضين كلياً، لكنهما في نفس الوقت سر خصوصيته.....، حيث الحياه تبدء في صراعٍ أزلي للتأقلم وتقبل الآخر....!، وفيه يحيا معك من قد يكون النقيض الكامل لك، لكنك وعلى خلاف العاده تبحث فيه ومعه كل السبل والطرق للتوأمه وتسعى لتكون أسره، فتكّون نقطه تجاور فيها آخر وأخرى، وتستمر الحاله حتى يكون لنا شعوب وقبائل وأمم.
من باب التأمل; كثيراً ما تطاردني الأفكار حوله، محاولاً إدراك غرابة وروعة هذا الرباط المقدس؛ الذي إن لم تجربه.... تشتاق له، وإن تمكنت منه...... تذمرت منه أحياناً، وشعرت وكأنه طوقٌ حديدي يطوق رقبتك، أو قفص ذهبي (كما يسموه) أو حتى ماسي، لكنه في النهايه يبقى قفصاً!
حتى لا يساء فهمي، فهو مانع لك ولها من التجاوز والخطأ، ولذا جاءت التسميه، فهو كالقلعه تحصنك مما يكون خارج أسوارها...، لكن على النقيض وللبعض، هو زنزانه مشتركه تمنعك من اللذه وتحرمك من نزواتك وشهواتك.
لا تحاول كرجل أن تفهم سيكيولوجية المرأه أو أن تعبث بها، وحتى لو استطعت " وذبحت قطه ليلة الدخله"، فهذا لن يعني أنك انتصرت ورسمت مسار حياتك الزوجيه.. فسرعان ما ستتغير الأحوال ويكسر حاجز الخوف، ولا أستبعد أن تكون أنت القطه هذه المرّه، فالزوجه النبيهه وبذاكائها الفطري وبعزيمتها الجباره قادره على سبر أغوار زوجها ومعرفة نقاط القوه والضعف، وستعرف بعد فتره من أين ستؤكل الكتف، وستقدر بعبقريتها الأنثويه ( إن أرادت) وبصبرها وجلدها أن تروضك حتى لو كنت الحجاج ابن يوسف الثقفي!
المرأه مخلوق معقد ومتشابك التركيب، لن تستطع كذكر في يومٍ أن تفهمه وتدرك آلية عمل دماغها!......، فما يكئبك قد يكون مصدر تحفيزٍ لها، وما يسعدك سبب تعاسةٍ لها، وما يضايقك سر تسليتها، وما يؤرقك مبعثٌ لراحة البال لديها. هي كائنٌ إن أردت اكتساب وده، عليك أن تأخذه كما هو، فقد يكون تقويمها كسرٌ لها!......، وراحة البال معها ليس بالضروره أن تكون كمارد الإبريق قائلاً "شبيك لبيك"، فحتى لو غزلت لها من نور الشمس سواراً وقدمت لها اللؤلؤ والمرجان.... ، فلن تكون "أبن عمي ولا سي السيد"، ولن يستقبلك "طشت أو وعاء الماء الحار عند عودتك للمنزل واسترخائك على الأريكه!
ولدنا وتربينا على ثقافه يرددها الكثير ويستند بها لسوء تفسيره لقول المصطفى الكريم "النساء ناقصات عقلٍ ودين", فغاب عن من يردد القول أن يعلم أن في الحديث حكمه ولا يمكن إجتزاء القول دون فهم المعنى, والمقصود بنقص الدين فيه هو ترك المرأه لممارسة الشعائر كالصلاه والصيام والعبادات في أوقات دورتها, وهو رخصةً لها من الله عز وجل, أما فيما يتعلق بالعقل فذاك مرده إلى أن شهادة امرأتين تعادل شهادة رجلٍ واحد.
كما أشار الرسول الكريم عليه صلاة الله وسلامه في الحديث بما معناه مقدرة المرأه لأن تغلب ذو اللب (وهو الرجل الذكي), لذا وببساطه هذا يعني ذكاؤها الذي قد يفوق مثيله لدى الرجل وقدرتها بشهادة حبيبنا محمد.
من أكثر ما أستغرب هو أن يتندر البعض بالمرأه مستشهداً قول المصطفى ليثبت أن رجاحة العقل تخصص ذكوري بحت, فيما أظن أن من تبدر منه هو ناقص الفهم مسيء.
قبل الفتره استرعى اهتمامي فيلم شاهدته من صنع " العزيزه مصر" وتحدث فيها عن العنوسه كمشكله مؤرقه للمجتمع في ظل إحصائياتٍ تتحدث عن ما لايقل عن خمسة ملايين سيده غير متزوجه, لقبوها بالعانس (رغم تحفظي على اللفظ), الذي أصبح في مجتمعاتنا العربيه يوصف كتهمه أو إهانه للمرأه وفيه انتقاصٌ من شأنها, ومرد تفسيري نابعٌ بمقارنة الوصف بالرجل, وهل يطلق عليه أيضاً, أو أن ما جرت العاده أن يعيبه "هو جيبه" كما يقولون.
باختصار سرد الفيلم واقع مؤسف نعيشه جميعنا كعرب وتعودنا فيه القول "هم البنات للمات", تغافلنا وأهملنا أننا لو منحناهن حقوقهن بما يرضي الله ويتماشى مع شرعه, لما اضطرت الأم أن تحضر الأفراح برفقة بناتها حتى يعرفن, وتسنح الفرصه للباحثات عن العرايس رؤيتهن!
الغريب في علاقة الرجل مع المرأه ضمن إطار الزواج, أنها غالباً ما تفسر كحربٍ طويله من الكر والفر ولكن دون إراقة الدماء ودنما فقد أحد الطرفين للآخر, فالغايه النصر, والذي يعني القياده, وبشكلٍ بسيط: من يملك زمام القرار!.

نرجسية الرجل وثقافتنا أصلت القناعه, فيما روح التملك عند المرأه والحظوه قد تكون دافعاً, وفي المنتصف يينهما تتواجد الآراء الأخرى المتمثله بنصائح الأهل والأصدقاء والجاره وزميلات أو زملاء العمل.
يظن الرجل الزواج قبل حدوثه راحه في الغرفه والمنزل, وأبناء من الذكور هم له عزوه وسند عند كبره....., أما المرأه فهي رومانسيه بطبعها, ومفهومها مختلفٌ عنا وأكثر حساسيه وتقلباً وخصوصاً في دورتها الشهريه وأثناء فترة الحمل وفي منتصف الثلاثينيات, حيث تعاني من تغيرات هرمونيه غير مفهومه تقلب مزاجها, ولا تعلم حينها أن ما قد يبدر منك كنكته, قد تأخذه بمحمل الجد, وخصوصاً إن خصت ملاحظاتك شكلها وقوامها, فسرعان ما يساء قولك وتتحول اللحظه إلى جحيم, ولن تفلح ضحكاتك المغبره لتلطيف الأجواء ولا حتى أيمانك. فما بدر منك سيساء تفسيره في كل الأحوال وستظن الزوجه أنك مللت منها أو لم تعد كافيه لإثارتك وخصوصاً أن سمعة الرجل المتزوج بصفه عامه أن "عينه زايغه أو حمر!", وهذا يعني أنه ملول ويحب التغيير....., ورغم التحفظ على هذا الشعور الظالم, إلا أن به جزء من الحقيقه, فالرجل كمخلوق ذكري غالباً ما يظن نفسه دونجوان ومرغوب, حتى لو كان له "كرش مترين", وشعره أبيض ولا يقوى على حمل جرة غاز, إلا أنه وفق هرموناته الذكريه, مقتنع بأنه فرصه لكل من لا تملكه لاكتسابه كفرصه لا تعوض.
يتندر بعض الرجال فيما ينصح آخرون المقبلين على الزواج بالبحث عن الزوجه في الأماكن النائيه, حيث لا "دش" ولا تلفزيون ولا مسلسلات تركيه, ولا مولات وأسواق, وإنما فتاه "كما يسموها خام" لا تعرف من الدنيا إلا إرضاء من سيكون زوجها وخدمته والإنجاب له والعيش بضله ووفق شوره.......فلبنه أسود إن شاء وتمره أخضر, وهي مصدقه له وموافقه....!
لكن من سبق من "الحكماء", نسو أن المرأه المخلوق الأسرع تغيراً والأقدر على تطوير نفسه ومجاراة الواقع, وقصص الأفلام وجدي وجدتك لم تعد قابله للتطبيق في عصرنا هذا, الذي أعاد لها حقوقا كفلها لها المولى سبحانه وتعالى وأعلى من شأنها الذي شوهه الرجل على مدار التاريخ.
إذاً رغم كل هذه التناقضات في الشخصيه والتفكير والخلقه, فكيف لا يستغني أي الطرفين عن الآخر, وكيف يبحث عنه دوماً, وكيف يتحمل كلٌ منهما هذرات الآخر وسوءه ويرى من الحسن فيه ما قد يظنه البعض قبحاً ومنفراً.....؟, من هنا تكمن العظمه الإلهية, حين وفقت بين النقيضين وجعلت كلاً منهما مكملاً أساسياً للآخر, وسهلت التأقلم والتعلق والموده والرحمه, التي ذكرت في القرآن الكريم, ويكون منها أن يغفر طرفٌ للآخر ويتعلق به ويحبه رغم ما يعتريه أياً كانت ظروفه......, وطبعاً لكل قاعدةٍ شواذ, لكني لا أتحدث عنهم هنا.

المصدر: http://al-marsd.com/main/Author/491%E2%80%8E

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...