السبت، 14 ديسمبر 2013

أفغنة سورية

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤيه الإماراتيه 13-12-2013



هل نحن مقبلون على أفغانستان عربية هذه المرة ولكن بنكهة سورية؟
 يبدو لي أن الثورة في سوريا تتحول بفعل فاعل وأيدٍ متآمرة لتنعطف صوب تجربة مريرة من الاقتتال على السلطة وبسط النفوذ. فبعد أن زُرع من التيارات من أُوكل له شق اللحمة لمقاتلي المعارضة وزرع الفتنة بينهم، في محاولات الغرض منها تشتيت قواهم وخلق مراكز نفوذ للدول الداعمة التي تسعى عبر تسليحها جماعاتٍ بعينها لفرض وجودها المستقبلي، وتتأكد من حال سوريا ما بعد الأسد، حيث لا يُراد لثورة شعبها أن تكون سوى غيمة أمل تمنح قليلاً من الحرية لشعب عانى منذ استقلاله حتى يومنا هذا من الانقلابات وحكم البعث.
صحيح أن سوريا لا تمتلك نفطاً أو احتياطياً ضخماً من الغاز يسيل له لعاب الغرب وأمريكا، لكنها تجاور حليفتهم التي زرعوها في المنطقة، ومن ثم من مصلحتهم ألا يجاورها نظام إسلامي أو قومي عربي جاد في محاربة إسرائيل وإشعال النزاع في المنطقة من جديد.
إسرائيل الطرف الخفي في النزاع السوري هي من يقف بثقله خلف نظام بشار، إذ لم تحرك ساكناً إزاء ترك حزب الله لمواقعه في الجنوب اللبناني وانضمامه علانية لدعم نظام الأس الذي كان قاب قوسين من الانهيار والسقوط، مع أن الفرصة باتت سانحة لها في ظل انهماك الحزب بالاقتتال السوري، حتى إن اختراق طائراتها للأجواء اللبنانية كما كانت تفعل على الدوام لم يعُد له ذكر، ولم نعد نسمع تلك الخطب الرنانة من قياديي حزب الله، التي يتوعدون فيها إسرائيل، بل العكس تماماً أضحت خطابات حسن نصر الله مكرسة للتأكيد أن حزبه لن يسمح بسقوط النظام السوري، لتتهاوى معها أكذوبة المقاومة التي لعب فيها الحزب على وتر التعاطف العربي، فنال شعبية غرر بها الجميع وظنوا أنه المنقذ الذي سيرمي إسرائيل في البحر!
بدايات الكفاح المسلح للثورة السورية كانت مع انشقاق ضباط بالجيش احتجاجاً على قمع المظاهرات، ليشكل المقدم حسين هرموش لواء الضباط الأحرار، تلاه تشكيل العقيد رياض الأسعد الجيش السوري الحر، ثم توالى تشكيل كتائب وألوية في مناطق متفرقة من سوريا حتى وصلت إلى ما يقارب الثلاثين فصيلاً. كان تسليحها متواضعاً واعتمد في تشكله على ما يغنم في المعارك مع الجيش النظامي، فيما كون الجنود المنشقون والمتطوعون أغلب مقاتليه.
مع استمرار القتال في سوريا، ولخشية أطراف دولية وعربية مما يمكن أن تؤول إليه الثورة حال خلع نظام بشار، بدأت تظهر جماعات مسلحة أخرى يدعي بعضها أنها تقاتل النظام السوري. تعددت مسمياتها وإن كان أشهرها دولة العراق والشام «داعش» وجبهة النصرة والأحرار ولواء التوحيد والإسلام والحق وصقور الشام. بعضها تشكل من أفراد لا هوية سياسية لهم وإنما جمعهم فكر جهادي ديني عززته دعوات للجهاد في أرض الشام. تنظيمات أخرى بدأت تبرز فجأة، والأغلب أنها تتلقى دعماً مالياً وعسكرياً ولوجستياً كي تحدث التوازن المطلوب من داعميها، وتكون لهم موالية في أي حل مستقبلي ووسيلة لتصفية من يقف في طريق مخططها. أفرادها تغلب على العامة منهم صفات الجهاديين، عدا القيادات التي تتبع الأنظمة الداعمة لها.
الخطوة الأخيرة كانت لكبرى الفصائل الإسلامية المسلحة في سوريا واندماجها في تشكيل جديد أطلق عليه «الجبهة الإسلامية»، والذي وحد كبرى الفصائل المسلحة إن لم يكن جميعها وأعطى زخماً لقواتها على الأرض، وهو ما أثمر سيطرتهم على العديد من المواقع المسيطر عليها من قبل النظام السوري. الجبهة الإسلامية يُراد لها أن تكون من قبل مشكليها حائط الصد ضد مكاسب النظام الأخيرة وضد الحلف الشيعي الإيراني اللبناني العراقي الذي تشكل على أساس طائفي لمنع النظام السوري من الانهيار، وخوفاً من قيام نظام حكم ديموقراطي سني في سوريا تحكم من خلاله الأغلبية بعد أن قضت عقوداً مهمشة في ظل سيطرة الأقلية العلوية على السلطة، وتوارثها بين حافظ الأسد وابنه!
مما أخذه البعض على الثورة السورية انتماء بعض التنظيمات لفكر القاعدة، أو على الأقل هذا ما رُوج له وأجدى نفعاً بتخويف الغرب وأمريكا من أن يحكم سوريا تيار متشدد دينياً على غرار طالبان أفغانستان, وبالتالي سيغير قواعد المنطقة المستقرة منذ السبعينات بعد اتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، ثم اتفاق أوسلو مع السلطة الفلسطينية، وبعده اتفاق مع الأردن .. وجميع من ذكر يملك اتفاق سلام معلناً مع إسرائيل، عدا النظام السوري وإن لم تنطلق من أراضيه أي عمليات مسلحة أو محاولات لاستعادة جولانه المحتل.
قد تكون الجبهة الإسلامية بديلا ًمقبولاً للغرب إن ارتضت ألا تتجاوز الخطوط الحمر، وقد تكون تحالفاً عسكرياً تشكل على الأرض بعد اقتناع الفصائل الإسلامية أن فرقتها أحد أسباب صمود النظام وتقدمه. كما أنها قد لا تسعى مستقبلاً لأي دور سياسي، إلا أن الأكيد أنها إن استطاعت فرض ثقلها على الأرض وضم الألوية الأخرى تحت مظلتها، وسيطرت على التصرفات الفردية والقرارات الارتجالية لبعض أفرادها فستكون أحد اللاعبين الأساسيين، وقد تمنح فرصة منحت لتحالف الشمال الأفغاني وعبداللـه مسعود ليكون البديل الإسلامي المقبول وفق شروط القوى الفاعلة ولو بشكل مؤقت، حتى تؤسس المعارضة المدنية في الخارج لنفسها ثقلاً يمنحها قوة في الشارع، وبالتالي تحيد القوى الإسلامية المنافسة لها.
يحتمل الشأن السوري جميع الاحتمالات لكن الأكثر تطرفاً فيه هو «أفغنة» الأزمة السورية «وطلبنة» مقاتليها الإسلاميين، وهو الخيار الذي يجب أن يوضع في الاعتبار ولا يستبعد من الحسبان.



المصدر: جريدة الرؤيه الإماراتيه  - http://alroeya.ae/2013/12/13/110089

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...