السبت، 4 يناير 2014

المرأة والصرع

بقلم عماد أحمد العالم

مقالة تم نشرها في صحيفة الحوار المتجدد 01-01-2014

 

لا يفرق الصرع بين الرجل والمرأة, بين الطفل والطفلة و المسنين. جميعهم عرضةٌ له, حيث يشكل ما نسبته واحد بالمائة من مجمل سكان العالم, بل تزيد النسبة في بعض الدول النامية والفقيرة عن ذلك لتصل إلى ما نسبته أربعه بالمائة. فيما استطاعة الدول المتقدمة من تطوير قوانينها وزيادة الوعي لدى مجتمعاتها وشعوبها, وسن ما يمنع التفريق على أساس المرض بعد أن كانت في السابق تؤطره قانونياً. حتى فترة قريبة كانت بعض الولايات في أمريكا تمنع زواج المصابين بالصرع!, أما المجتمعات العربية, فللأسف الشديد ما زالت تعاني مما أسميه "بعار الصرع" وهو وصمة إن أصيبت به المرأة فقدت بسببه حق الحياة وعانت من التفرقة والعنوسة والقهر وفقد للحقوق والواجبات والمكانة الاجتماعية. بل لن أبالغ إن قلت ستحيا حياة عزله وشفقة وكأنها منبوذة لإصابتها بمرضٍ معدٍ مشين.

هذا الإجحاف بحقها قاد الأهل لإخفاء إصابتها بالصرع والإهمال في علاجها والجري وراء أوهام المشعوذين وخرافات مدعي العلم بالطب الشعبي, أملاً منهم في علاجٍ سحري " يشفي من غير أن يفضح" ولا يقضي (حسب اعتقادهم) على مستقبلها.

المرأة هي النصف البشري المناط به الإنجاب, وإصابتها بالصرع قد يقضي على فرصها كأم (حسب المفهوم الشعبي الشائع), لكن الرجل أيضاً قد تسبب إصابته في الصرع لمشاكل جنسية ولكن هل تتوقف عندها الحياة؟. 

يجب أن يكون  مفهومنا للمرض, هو إيمانٌ بأن الخالق العظيم أوجده وأوجد له الدواء حتى وإن فشلنا باكتشافه. فمن أساسيات الإيمان الصبر على الضرر وحسن التعامل معه والأخذ بالأسباب. تاريخياً وحتى زمننا هذا, لم يستثنى العلماء ولا العباقرة والساسة والمشاهير من الإصابة بالصرع, ولم يمنعهم من التقدم ومواصلة حياتهم والإبداع فيها والبروز. ليشكلوا علاماتٍ فارقة عرفوا بها ولم يلتفت أحد ويكترث لإصابتهم به.

 

المرأة المصابة بالصرع ليست استثناءً, فباستطاعتها التعلم والتطور والقيادة والعمل والزواج والحمل والإنجاب وفق ضوابط والتزامات يشاركها بها الرجل دون تفريقٍ بينهما ولا عزلٍ مجتمعيٍ ظالم ومجحف.

في مشوار عملي الممتد لأربعة عشر عاماً, وبذو الصلة في الأجهزة الطبية المتخصصة بالكشف عن الصرع, قابلت وواجهت واضطلعت على حالاتٍ عديده للمصابات بالصرع بمختلف أعمارهن, لم تثنهن الإصابة ولم تكسر من عزمهن لمواصلة الحياة التي هي إرادة إن تمتع بها الفرد قهر المستحيل أياً كان شكله وهيأته.

هناك علاقة غير واضحة وغير مفهومه  بعد بين الهرمونات (Hormones) والنوبات الصرعية (seizures), فرغم كل الأبحاث والدراسات التي أُجريت, إلا أن الجزم في العلاقة غير مطلق وواضحٍ بالكامل.

الهرمونات الأنثوية كالأستروجين (Estrogen) والبروجسترون (progesterone) هي مواد كيميائية تفرزها الغدد الصماء ( (Endocrineوتجري في الدم. تتحكم بالعمليات البيولوجية في جسم الإنسان كنمو العضلات (muscularity), وضربات القلب (heart rates) والجوع وفترة الحيض لدى المرأة (Menstrual period).

يثير هرمون الأستروجين خلايا الدماغ وهو ما قد يسبب احتماليةً أكبر لحدوث النوبات. فيما على النقيض, قد نجد أن هرمون البروجسترون قد يعمل على منع أو توقف النوبات لدى النساء.

هذان الهرمونان (الأستروجين والبروجسترون) ذوا علاقه بالخلايا العصبية (Neurons)  الموجودة في الفص الصدغي (Temporal lobe) في الدماغ والذي عادةً ما يكون مرجع أغلب النوبات الصرعية الجزئية (Partial seizures). لا تحدث جميع النوبات لدى المرأة بسبب تغيرٍ هرموني, لكن المختلف بالنسبة للمرأة المعانية من الصرع هي أن بعضهن قد يحدث لهن تغيرات في طريقة نوباتهن في أوقات تغير الهرمونات عندهن.

قد تختفي بعض النوبات عند المرأة حين بلوغها سن البلوغ (Puberty), فيما عند الأخريات قد يبدء ظهور النوبات. عدد أو شكل النوبات قد يعتريها تغير عند العديد من النساء في مرحلة التبويض (Ovulation), كما قبل أو عند بداية فترة الحيض لديهن (Menstruation).

تعاني بعض النساء من أحد الأنواع الصرعية المسماة بالصرع الطمثي (menstrual epilepsy), والتي قد تسبب لدى بعضهن زيادةً في النوبات مباشرةً قبل فترة الطمث أو أوفي أولى أيامها أو منتصفها, وذلك لأسبابٍ غير معروفه, وقد تكون مسبباتها انخفاضٌ في معدل الدواء في الدم أو نقصٍ في الهرمون الأنثوي "البروجسترون" (progesterone)

إن وجد أن لدى أحد النساء علاقه بين هرموناتها واضطراباتها والنوبات التي تتعرض لها, يتوجب عليها في هذه الحالة أن تراجع مع طبيب أعصاب متخصص بالغدد (neuroendocrine) بالإضافة إلى متابعتها الدورية مع أخصائي النساء والولادة والمخ والأعصاب وفي بعض الأحيان اخصائي الباطنة.
 

المصدر: صحيفة الحوار المتجدد - http://www.hewarmag.com/images/7820.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...