الاثنين، 6 يناير 2014

حقوق المرأة.. عدالة المطلب وسوء الطلب

بقلم عماد أحمد العالم

مقالة تم نشرها في جريدة الشرق السعوديه 06-01-2014


دعونا ودعوا المرأة العربية تعي بنفسها حقوقها وواجباتها، ما سُلب منها وما منح لها، أو ما يعده بعضهم تكرماً عليها. أزعجتمونا وأقلقتم أنفسكم بالمطالبة وأنتم أكثر من أساء لها وهضمها حقاً ميزها الله سبحانه وتعالى به عن شريكها الآخر.
أصبح لقب «مدافع عن حقوق المرأة» مهنة من لا عمل له، وذريعةً للمنظرين ليطلوا علينا بما تختلقه ملكات أفكارهم من أمور سطحت وهمشت فحوى الظلم الذي تتعرض له الأنثى العربية في مجتمعاتها. يرتكز صراخهم ويشدد بكل سطحية على تحريم التعدد ويعده من الاستعباد ويتناسى أن هناك من المتزوجات من لا تمتلك أبسط حقوق الكرامة الزوجية. تعامل بما يتطلبه مفهوم «سي السيد» بحذافيره مع إمعانٍ في الانتقاص منها ومن شأنها. أخريات معضلات ومعلقات ومعنفات وينلن يومياً قسطاً لا بأس به من الضرب والإهانة والشتم والتحقير والامتهان، فيما أخريات تمنع من زيارة أهلها وذويها معاقبةً لهم لاختلاف الزوج أو أهله معهم.
ما الأولى والأجدى بنظركم، هل نطالب بحق المرأة في النقاب من عدمه أو القيادة مثلاً ونحن بالأساس مفهومنا للمرأة لا يتعدى إلا أن تكون زوجة بمرتبة جارية بمنزلةٍ دنيا عن الرجل. مع ملاحظة أن المرأة باتت تصل إلى ما لا يقدر الرجل عليه أيامنا هذه وحتى في أكثر المجتمعات رجعية.
نعاني من ازدواجيةٍ مرضيةٍ في الشخصية، فالكل يرى في أهل بيته الأشرف والأعف، لكن نساء الآخرين غنيمةٌ أو فرصة سانحة لا بد من اغتنامها متى سنحت. يرغب الفرد في السعادة لابنته وأخته ويخطط لها المستقبل الذي يراه مناسباً لها، لكنه ما إن يتزوج يرى في زوجته أنثى غير بمنظورٍ عقيم، يحاول فيه فرض سطوته عليها والعمل بما يتماشى مع مفهومه الذي تربى عليه ورآه وتأصل في نفسه من شكل العلاقة المفروض بينه وزوجته!
المرأة أحياناً ألد عدوٍ لنفسها، فمن أكثر من أساء لقضيتها وحقوقها امرأةٌ فهمت الدين والعادات والتقاليد بشكل خاطئ، فتبنت الاستعباد وآمنت بالدونية، وروجت لها!
غياب المفهوم الفردي للحق والواجب والمتطلبات لدى المجتمع وتبنيه أفكاراً متوارثة وهيمنة الفكر الذكوري، وسذاجة بعض الأصوات النسائية الحقوقية سيسهم دوماً في أن لا تصل المرأة العربية لمكانتها ومقدارها المسلوب في مجتمعها. كما أن تبني بعضهم الأفكار المستوردة الغريبة هو التصرف السلبي الذي يوجد على الدوام ردات الفعل المتشنجة تجاه كل مطالبٍ لحقوقها.
قبل أن نطالب، يتحتم علينا أن نزرع في أنفسنا مفهوم التعدد والاختلاف الإنساني وننبذ الفوقية التي تميز جنساً على الآخر. بعدها لنحرر عقولنا من التبعية لعاداتٍ وتقاليد بالية لا تتماشى مع ديننا، ومن ثم نقنن ما للفرد في المجتمع من حقوق وواجبات لا يفصل فيها إلا عدالة القانون، رغم أننا دوماً نسوق من الدين الدليل الذي يخدم وجهات نظر البعض منا تجاه المرأة. حتى حديث رسولنا الكريم بتنا نمعن في تأويل معناه. بعضهم بات يضحك عندما يسمع أن المرأة ناقصة عقلٍ ودين!، لم يعوا أن نقص الدين المقصود هو رخصة إلهية لها تعفيها من أداء فروضها الدينية وقت مرورها بفترة الدورة الشهرية، وفيها مراعاةٌ لها من خالقها لحجم ما تعانيه من آلام مصاحبة.
حقوقيات الدفاع عن المرأة من رواد الصالونات هن أبعد من يكن عما يطالبن به، فأغلبهن من مجتمعٍ مخملي مرفه متفتح ومتحرر ولم يعان أو يعاصر ما تتعرض له الأخريات من ظلم، غير مندمجات أو متواصلات مع الطبقات الفقيرة والمعدمة، ولا نشاطات لهن على الأرض. أكثر ما يجدنه هو الظهور في وسائل الإعلام أمام الآخرين يكررن نفس الجمل والعبارات الرتيبة دون أي مجهود فعلي أو تصور لحلول واقعية.
قبل أن تكتسب المرأة العربية ما سلب منها، علينا أن نؤمن لها حقوقها الإنسانية المفروضة، فتمنح فرصةً متكافئة في التعليم والعمل بما يتناسب مع كينونتها. نؤسس لثقافةٍ تعليميةٍ تغرس في النشء القادم مفهوم الإنسانية والتعددية، نبعد عنه شبح الموروثات والعادات والتقاليد الجاهلية، ونعوده على أن لا فرق بين الأخ وأخته، ولا سلطة لأحدهما على الآخر ولا أفضلية إلا للأفضل. حينها سيكبر جيل جديد مختلف عنا، متفهم وحقوقي بذاته يعطي كل ذي حقٍ حقه ولا يهضم حق المرأة أو يظلمها.



المصدر: جريدة الشرق - http://www.alsharq.net.sa/2014/01/06/1041974

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...