الجمعة، 2 يناير 2015

الأمثال تجمعنا

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 02-01-2015

 
 
مهما اختلفنا كشعوب في العرق والدين والدم واللون، ومهما فرقتنا صراعاتنا وحروبنا التي لن تنتهي ما دمنا بشراً يسعى كل منا إلى أن يفرض عضلاته على الآخر، إما باستغلاله جسدياً واقتصادياً ومادياً، أو فكرياً ودينياً؛ إلا أنه سيبقى بين الشعوب ما ستحتفظ به دوماً ليكون صِلاة مشتركة تجمعهم، حتى لو لم يشاؤوا ذلك، فتلك فطرة وغريزة مبرمجة ذاتياً ولا يمكن محوها أو تغييرها.
الحال ذاته ينطبق على نساء العالم، فمهما اختلفن وتعددت درجة الانفتاح والثقافة والحرية والمعيشة الاقتصادية لديهن؛ إلا أنهن سيبقين إناثاً يتشاطرن صفات بذاتها، وسترى بعينيك وتشاهد ردة فعل طبق الأصل لامرأةٍ في القطب الشمالي مع أخرى في أقاصي غابات أفريقيا، إن تعلق الأمر بالغيرة مثلاً!
من جهة أخرى وفي عالم الجريمة، يبدو أن اللصوص والمجرمين من مختلف البلدان أيضاً لديهم سمات مشتركة في مفهوم السرقة والجريمة، ومبررات لاحترافهم إياها واستيلائهم على أموال الناس بالباطل. المنطق هو ذاته، وقد مر عليّ من قبيل الصدفة أحد الأمثلة أثناء مشاهدتي لفيلم أجنبي تحدثت فيه قاتلة مأجورة أنها قد جمعت مبلغاً يكفيها لتقاعدها، لكنها كلما أرادت ذلك تراجعت لإيمانها بأن «اليد البطالة نجسة»! طبعاً الجملة السابقة كانت الترجمة العربية لما قالت نصاً: Idle hands do the devils work، والتي تعني مجازاً نفس الترجمة السابقة.
بصراحة استوقفتني الجملة، وبقدر ما أثارت ضحكي فإنها لفتت نظري إلى أن المجرمين في كل الأمكنة لديهم مفهوم واحد عن البطالة، وضرورة العمل حتى لو كان سبباً لتعاسة الآخرين إما عبر سرقتهم أو إيذائهم.
بالمناسبة، الأمثال أحد أهم الأبواب التي يجب أن يطلع عليها أي مهتم أو دارس للشعوب وثقافاتهم وتاريخهم وحضاراتهم، ومدى توافر صفات مشتركة فيما بينها مع اختلافها عن بعضها في اللون والدين والعرق. في العديد منها ستجد وتستغرب تطابقاً شبه تام. إن تعمقت البحث في أحد هذه الأمثال مثلاً لن تجد دلالة على أن أحد المجتمعات قد استقاها من الآخر. إذاً ما سبب التطابق غير المقصود، ألاَ يعني أن الطبيعة الإنسانية فينا كبشر قاطنين على هذه الأرض منذ آلاف السنين واحدة، والاختلاف الواقع غير ناتج عن تفوق عرق على آخر في آدميته، وإنما في مدى عمله لمجتمعه وأخلاقياته!
ألا ينفي هذا التشابه والتوافق فكرة تفوق عرق ما على الآخرين وتقدمه، أما إنها الدليل على أن التجربة هي الأساس لأي فكر، كما تؤكد بشريتنا جميعاً وتوافقنا وإن اختلفنا في أساسيات لطالما فرقتنا بدلاً من أن توحدنا.
عودة إلى الأمثال مرة أخرى، ما دمنا قد تطرقنا لها، فهي إما فصيحة أو عامية، والأخيرة بالذات تتبع لهجة البلد المستخدمة فيه وقد لا تعكس إلا عُرفاً أو عادات وتقاليد محلية، وليست مشتركة لجميع من يتكلم اللغة العربية، حتى إنها إن قيلت أمام شخص من جنسية أخرى مختلفة فلن يفهمها ولن يعي معناها. بعضها يُتوارث، وأخرى بدأت بالانقراض إن صح التعبير، ولم يعد سماعها حاصلاً إلا في حالات نادرة حين ينطق بها أحد كبار السن كردة فعل على موقف ما حصل أمامه، وإن حدث سيستغرب كل من يسمعها من الأجيال الأصغر سناً وقد لا تثير لديهم الفضول بمقدار ما ستضحكهم لغرابتها وصعوبة فهمهم لمعناها.
البيئة وشكل المجتمع وتمدنه وبداوته عوامل أساسية في فحوى المثل وموضوعه وطبيعة الكلمات المستخدمة فيه، لذا ستجد المجتمعات الحضرية أياً كان موقعها عربياً أو غربياً أو لاتينياً تتشارك أمثالاً متشابهة بعينها، وكذلك الحال ينطبق على القرويين والبدو ومستوطني وسكان البيئة الصحراوية والجبلية.
حقيقة هي غير مخفية ويعرفها الجميع، لكن يتم تجاهلها، تُسهم الأمثال في تكريسها، وهي أننا جميعا بشر من لحم ودم وطبيعة إنسانية جسدية وعقلية وروحية واحدة، ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وأوجه التشابه بيننا عظيمة على الرغم من أننا نتقاتل ونتخاصم ونتحارب وننقسم بسبب الاختلافات الحاصلة بيننا فقط.

المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2015/01/02/209706/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%ab%d8%a7%d9%84-%d8%aa%d8%ac%d9%85%d8%b9%d9%86%d8%a7/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...