الاثنين، 2 مارس 2015

المحبة .. أمل تقتات عليه الأرواح

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 02-03-2015

 


المحبة .. هي ما يجعل في قلوبنا نبضاً ونزعة للتمسك بالحياة إن تزامنت مع وجود من نحب، وهي الأمل الذي تقتات عليه أرواحنا، والنسيم الذي يمدها بالغذاء، والذكرى الطيبة التي تعطيها الأمل في المستقبل والقناعة بالحاضر والسعادة حين نتذكر الماضي.
هي ككرة الثلج تكبر دون إرادتها إن وجدت الطريق أمامها ممهداً دون عقبات، ومنخفضاً سلساً لا عوائق فيه ولا حواجز ترتطم بها فتعيق مسيرتها التي يزداد حجمها بانشغالها في السعي حثيثاً صوب هدفها الذي تكتسي بلقائها به صورة مجرة تجمع بين ثناياها الآلاف النجوم المتلاصقة في تناغمٍ دون أن يسطو أحد منها على الآخر أو يعيق مسيرته.
لا تعني المحبة بأي حال، النرجسية أو الأفلاطونية أو يوتوبيا المدينة الفاضلة الغارقة بالحكمة والسعادة والعدالة الأزلية التي لا وجود لها في الواقع؛ بمقدار أن يستوعب الآخر نصفه الثاني المكمل له كجسد وروح وكيان وعاطفة، فيحتويه ويتعايش معه بسلبياته وإيجابياته ليحقق معه التكامل الذي يغنيه عن مقارنة نفسه بالآخرين، والنظر لهم على أنهم مثال لسعيها نحو السعادة والتفوق، والذي إن حدث يوماً فسيكون حتماً مقترناً بالتعاسة، فآدميتنا رغم جمالها إلا أنها صاحبة نفس أمارة بالسوء، يضخ الحياة فيها قلبٌ سمي لكونه متقلباً لا يستقر على حال في سعيه نحو السمو والمجد والراحة الأبدية!
المحبة هي الإيثار دون ابتذال، والبذل وفق المعقول والمقبول دون تهميش النفس وإذلالها، النفس التي إن كانت يوماً كذلك تبذل دون حساب، لا بد لها يوماً أن تثور لذاتها وعليها، بعد أن تدرك أن لمحبة النفس طعماً لا بد لها من تذوقه أحياناً والاستمتاع به.
تلهو له وتغمره بمتعة حب الذات وزهوها بامتلاكها ما عجز الآخرون على الحصول عليه، ولكن دون أن تتحول في المتعة للأنانية، التي هي ما سيكسر إنسانيتها وسيعزلها عن سموها، ليغرقها في الذاتية المقيتة التي لطالما فرقت البشر وجعلتهم طبقاتٍ ومقامات!
الروح المحبة طاهرة ونقية ومعطاءة، لا تنتظر المقابل ولا تسعى له، فهي تدرك جيداً أن صنائع المعروف سترتد عليها يوماً، وستنشيها بلذة الوفاء وستقيها غلبة الحزن والشقاء.
المحبة هي حال الحب، الذي ليس كما صوروه بعبث المراهقين وحب الناضجين وخيانة غير القانعين، ومراهقة الأربعين .. هي ببساطة رعشة الأنامل حين تلامس خطأً من تحب أن تكشف له هيامها، وهي كتمة النفس المريحة التي تتناقض مع ضيقها حين يتهادى لمسامعها صوت أو حديث المحبوب مذكورٌ فيه.
هي هديل الحمام برأفته، وهدير الريح بعنفوانه وخرير الماء الصافي العذب المنساب من نبعٍ لا يعكر صفوه سوى سوء استغلال ابن آدم له، يعكر صفوه حين يستفز فيه غدره ويثير دواماته التي تنتزع المحبة من القلب لتستبدل بها الغضب والامتعاض وروح الانتقام.
كم أصبحنا في عالم اليوم بشراً مختلفين نفتقد من بعضنا الإنسانية ونخسر ما بقي من المحبة في نفوسنا، استبدلناها بالأنانية والذاتية المفرطة وحب الذات وتجاهل الآخرين، في سعينا المحموم لامتلاك ما يمكن امتلاكه في دنيا فانية، لن يدوم نعيمها لأحد ولو طال أمده، ولا بد لها أن تستبدل سعيداً للحظ بآخر يلهث وراء غنائمها. وفي غضون ذلك، ينسى البشر أنفسهم ويزداد انغماسهم في ذاتيتهم، فيتحولون لآلات مبرمجة، تفتقد الروح وجمالها وسموها، فيما الروابط الإنسانية تتخلخل وتحل محلها المصلحة والمنفعة دون محبة.



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2015/03/02/225401/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a8%d8%a9-%d8%a3%d9%85%d9%84-%d8%aa%d9%82%d8%aa%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%ad-3/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...