الأربعاء، 4 مايو 2016

حراس الفضيلة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 04-05-2016

 
 
ليس من سبيل لهلاك مجتمع وضياعه وتخبطه إلا بادعاء بعض أفراده الفضيلة، بينما يمارسون الرذيلة بداعي الدعوة للفضيلة!
بعض من يحاضر عن الفضيلة يجعل نفسه شرطياً على رقاب الناس، متناسيا أن وظيفته كمسلم قبل أي شيء هي الحُسنى، وافتراض الخير لا الشر وعدم التسلط، وهو ما يقودنا للتساؤل: ‏لماذا في المجتمعات المتسامحة إنسانيا يكون الفرد أكثر مسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه؟ بينما في المجتمعات المغلقة كل مسؤول وراعٍ من دون وجه حق، وبجبروت منحه إياه تشريع بحسن نية لأداء واجب تجاه مجتمعه، لكنه وكالعادة اعتبر التكليف تشريفا، فتحولت الممارسة إلى تسلط؟!
كما تعودنا وعرفنا سابقاً بوجود تُجّار للوهم من منتحلي صفة القرّاء والعطارين، فهناك أيضاً في مجتمعاتنا العربية تُجّار للفضيلة، يمارسون سلطتهم بديكتاتورية فرعون على حياة الناس، مستمدين ذلك من قدسية الدين ومكانته لدى المؤمنين، وخوفهم من عقاب من بيده سلطة لا رادع لها ولا محاسب إن أخطأ.
 
أحدهم مثلاً- وأمثاله مع الأسف كُثر- أعطى لنفسه الحق، فجعل من نفسه وصيّاً، ونصّبها لتكون الحاكم والجلاد والمصلح بصلاحيات مطلقة باسم الحفاظ على الدين، بأساليب الجبابرة والغُلاة، لتكون المحصلة خوفا وتنفيرا وارتدادا وعلامات استفهام يطرحها مَن في قلبه مرض، أو من لم يتمكن الإيمان منه، في حال وقوعه في مأزق مع متنطعٍ متشدد!
ما أسوأنا من أمةٍ كانت خير أُمة أخرجت للناس، وتحولت بفعل خوارج الفكر لدينا إلى متنطعين ومتشددين وغُلاة منفرين ومشوهين لدين الوسطية والتسامح، وما أوقحنا حين تناسينا أن في القرآن الكريم، وهو المصدر الأساسي للتشريع لنا كمسلمين، لم ترد آية واحدة تفرض النتيجة لتكون سببا لقبول العمل، بل على العكس، فالمعيار هو الاجتهاد والالتزام والأداء، ويبقى الإنجاز من أسباب الله عز وجلّ التي يمنحها لمن يشاء، كذلك يُقاس الأمر على الدعوة، فليس المطلوب من الدُعاة أن يروا في التو واللحظة نتيجة نصيحتهم، وإنما يكفيهم الترغيب والترهيب بالحُسنى، من دون فرض ذلك بالقوة، طالما لم يكن الأمر في الكبائر وفي العلن، وفيه ضرر على المصلحة العامة وأذى للحاضرين.
 
حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وفي أرقى مثال عن سماحة الإسلام، أتته "زانية" فأعرض عنها وتركها مع أنها اعترفت، بل صدّها، وهو الذي ورد عنه قوله في الحديث الشريف: ‏"شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره"، والحديث أو معناه "إذا ابتغى الراعي الريبة في الرعية أفسدهم"، كما أن نبينا لم يضرب شاباً، ولم يعنّف امرأة ولم ينتقص من قيمتها، كما أنه لم يُقر يوماً أن يُعتدى على صاحب تجارة بحجة الصلاة، ولم يُر يوماً عابساً، بل كان دوماً دائم البِشر، إلا إن انتُهكت حرمة من حرمات الله.
نقد الموروث الديني الخاطئ ليس نقدا للدين، ولن يكون كذلك، ومن يطرحه ليس علمانيا كافرا وليبراليا مُفسدا، وحاقدا على الإسلام والمسلمين، وإنما هو محاولة لإعادة الأمور لنصابها، ولمسارها الصحيح الذي كرّسه الشرع وليس المتشددون الذين بما فعلوا يعيدون للذاكرة محاولات "إكليريوس" الأمس، بإضفاء القداسة على طموحاتهم.
 
أمر آخر لابد من طرحه، هو ما نلاحظه من فرحة المجتمع بهداية وصلاح واستقامة أحد أفراده بعد ضلال، التي باتت تشكل ظاهرة يُمنح فيها ذاك "المُهتدي" منابر ليعرض فيها تجربته، من دون أن يكون مؤهلاً لذلك، فيوصل رسائل خاطئة عبر أقوال أو أفعالٍ وتصرفات سببها قلة وعيه وجهله وحماسه لوضعه الجديد.
 
فبمقدار ما يسعدنا صلاح الجميع، فإن المنطق والصواب يستوجبان ألا يُمنح أكبر من حجمه، وألا نحوله لداعية ومنظّر، بل الصواب أن يُمنح الوقت الكافي لتستتب أحواله، فنبقيه في مكانه الطبيعي حتى لا يتحول كل فرد صَلح بعد ضلال إلى داعية، رغم افتقاره للمقومات اللازمة لذلك، فيما شهادته الوحيدة التي مهدت الطريق له هي كونه تائبا أو ضالا سابقا!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=356622

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...