الأحد، 15 مايو 2016

ثقافتنا في القيادة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 11-05-2016

 
 
حديثتا اليوم في جانبٍ منه عن أسوأ الاختراعات البشرية، ولا أقصد هنا أضر الاختراعات كالقنبلة النووية أو أسلحة الدمار الشامل والأسلحة البيولوجية والكيميائية، عافانا الله وإياكم منها، وإنما الابتكارات التي قدمها مخترعون وقصدوا من ورائها المنفعة العامة، فكانت كذلك لجزء من البشر، فيما آخرون وأغلبهم من "ربعنا" ودول العالم الثالث أساؤوا لها ولاستخداماتها، حتى بت، والحديث هنا عن نفسي، ناقما على من أوجدها.
 
البوق مثلاً، أو الهورن أو البوري أو الزمور، هو ما سأستفتح به الحديث، فهو أداة للتنبيه تم وضعها في المركبات بغرض التحذير أو الحديث بلغة الصوت الحاد، البعيد عن النغم الموسيقي، يستخدمه السائق في حال الضرورة فقط، لا للمتعة والإزعاج والاستعراض ومضايقة الآخرين. كما أن هناك أماكن يمنع فيها استخدامه، ويطلب من السائقين تجنب ذلك عبر إشارات مرورية تحذر منه، وغالبا ما تكون بجوار المستشفيات ودور العبادة وبعض الأماكن ذات الوضع الخاص.
 
هذه الأداة التي اخترعها الأميركي ميلر هتشيسون عام 1908، وهو كبير المهندسين في ما بعد لدى توماس أديسون، وعرفت وقتها بالعلامة التجارية المسماة "غلاكسون"، وربما جاء منها في ما بعد ما جرى المصريون على تسميته بـ "الغالاكس"؛ كان الغرض المُراد منها السلامة العامة، حتى إن وضعها في السيارات مقنن وواجب بحكم القانون، وبدأت يدوية وتطورت عبر الوقت لتصبح كهربائية، إلا أنها ورغم تقدم التكنولوجيا، لاتزال تصدر صوتاً غير محبب على الإطلاق، وفي ذلك دلالات واضحة على أن استخدامها للضرورة فقط، وللفت الانتباه لخطرٍ ما، هذا بالطبع في "العالم" المهذب ذي الذوق والأخلاق، أما "البشر" من ذوي الدماء الحارة والأعصاب المستفزة والعجولين وضيقي الخلق، فهم أساس كرهي للبوق، وحتى في الأغلب حقدي عليه، فقد تحول بأيديهم إلى أداة للاستفزاز والمضايقة، والتعبير عن الحنق والغضب، وفي عديد من الحالات مقدمة لاختلاق مشكلة قد تتحول من عراك بالسيارات إلى حلبة مصارعة بالأيدي في منتصف الشارع.
 
ما إن يشع اللون الأخضر من الإشارة الضوئية، وأحيانا قبله، إلا ويطرق السمع هدير أبواق السيارات، صابة لعناتها وغضبها على من في المقدمة، لأنه لم "يُقلع" بمركبته، ما قد يُحدث ارتباكاً للبعض من ذوي القلوب "الرهيفة"، فبدل أن تتحرك سيارته تنطفئ ويصاب بالارتباك، الذي يتحول لهلع بعد أن تتزايد الضربات الغاضبة ممن خلفه من السائقين على مقود مركباتهم استهجاناً منهم، وقد يصل الأمر إلى لعناتٍ وسباب وصراخ، لأنه أخّرهم بضع ثوانٍ لا فائدة منها فعلياً في عالمنا الذي هو في الأساس لا يحترم الوقت، ومعروفٌ عنه هدره في ما لا ينفع، لكنها العجلة التي ابتلينا بها، وقلة الصبر وسوء الخلق الذي يبدو السمة لكثير من السائقين الذين يعبرون عن غضبهم بخنق أبواق سيارتهم من شدة ضغطهم عليها من دون سببٍ في الأغلب يستحق ذلك.
 
في الهند مثلاً، من السمات البارزة لقائدي التاكسي، إرسال رشقات متواصلة من البوق دون داعٍ أو سبب، حتى بات صوته يطغى على أي صوت آخر في الطرقات المكتظة بالأمواج البشرية، في بلد المليار ونيف من البشر، وربما ألتمس لهم العذر في استخدامه، فشوارعهم فيها من كل الأصناف التي لا تقتصر على العربات فقط، وإنما الحيوانات أيضاً، لكن ما لا أغفره أبداً ولا أجد له مبررا ما في دولنا العربية، التي عديد من شوارعها كبيرة وفسيحة ومنظمة، ومع ذلك فإن من يقودون السيارات فيها لا يختلفون بأخلاقهم عن أسوأ قائدي المركبات والتاكسي في الهند.
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=357612

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...