الخميس، 28 يوليو 2016

حُلْمٌ آثر الهوى أن يطيله!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 28-07-2016


الحزن في صمت كلماته وفي سكونه وتوهانه وانفصاله عن الواقع الذي يكون حاضرا فيه بجسده الذي على ظاهره الحسن، هو ممزق ومشتت ومُبعثر في داخله، الذي أضنته أفكاره وجننته وساوسه، وتلاعبت به يمنة ويسرا دون أن يكون قادرا على السيطرة عليها، فهو كربان المركب الذي أيقن بفطنته ودرايته أن الأمواج التي تضرب بمركبه لا قدرة له على مقاومتها ولا المناورة معها، فأرخى العنان لها لتلطمه كما شاءت، وهو في كل موجة غضبٍ منها يقول إنها القاضية، فيما يتجاوزها منتظراً أخرى ربما تكون كذلك، لكنه في نهاية المطاف يجد جسده قد نجا ومعه مركبه بعد أن هدأت العاصفة وسكن البحر الغاضب، الذي استسلم لجبروته موقناً بهزيمته التي جعلته لا يبالي بما قد يؤول إليه مصيره، الذي أيقن أنه النهاية، فيما كانت نتيجته بداية جديدة له لم يرسم بعد ملامحها ولم يخطط لها، لتبدأ تلك الدراما التي يسمونا بالحياة تلعب لعبتها معه مجدداً، وترمي به في غياهبها دون أن يكون له رأي أو شأن بها، تاركا لها المجال لتقرر مصيره الذي لم تكن يوماً تكترث به.
 
هل من الممكن أن تكون تلك الكآبة التي تدمر غيره من البشر هي سر نجاته أو ربما حتى سعادته، التي لا يعرف معناها إلا بحصوله على لحظات من اللامبالاة المستقطعة بين ساعتي حزنٍ وبكاء؟!
 
لقد فقد البوصلة وأصبح كائناً بشريا لا يعرف معنى الحياة، فهي بالنسبة له تلك الروح التي تبقيه يتنفس فقط، أما ما حوله فلم يعد سوى كواكب خافتة في ليلٍ شديد الظلمة، لا فائدة ترجى منها لإنارة طريقه الموحش من كل الجهات.
 
مشكلته التي قد تكون ميزة له أن لا أحد يعرف ما يعتمر في ذاك العقل الضبابي، ففيما يراه البعض بائساً لا رجاء منه، يجده آخرون الخيميائي المتصوف الذي عرف سر الحياة وكشف أسرارها المخيفة، حيث كل كلمة ينطق بها لها مغزى، وكل حركة لها دلالة، في حديثه حكم وفي سكوته تأمل وصلوات يبتهل بها!
 
تناقضاته شديدة الغرابة، فحينما يسكن كل ما حوله بعد تمنيه ذلك؛ تشتعل الرغبة بداخله لتلك الفوضى والضوضاء التي طالما بعثرت تركيزه وأرقته، حتى إن حصلت انقلب على عقبيه كالفار من خطر اكتشف فجأة أنه مُحدق به، وعاد مجدداً يتمنى لحظة هدوء مطلق تروي ظمأه لسكينة تمنى فقدها، لكنها حين ابتعدت عنه لهث خلفها كَعَطِشٍ تراءى له طيف ماءٍ يعلم بأنه سراب لكنه يصر على اللحاق به رغم ما يفصله عنه من مسافة لامتناهية تجعل من الوصول إليه حُلُماً آثر الهوى أن يطيله!


المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=372372

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...