الأحد، 18 مايو 2014

أمة "اقرأ" لا تقرأ!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في مجلة فكر الثقافية العدد السابع لشهر مايو-2014



رغم ما تعودنا سماعه وترديده عن كوننا كعرب ومسلمين  "أمةٌ لا تقرأ", أو كما دأبت النخب منا على وصفنا وترديدها ذلك حين تُسأل عن سبب ضياع المعرفة وتضاءل الانتاج الفكري والأدبي, أو لنقل كما جرت العادة أن يُطلق علينا بأننا هجرنا القراءة والكتابة والثقافة الشخصية وأصبحنا نميل لأن نكون متلقين أكثر ومرددين لا منظرين، نستقي المعلومة من المشاهدة، ويلعب الإعلام المرئي والمسموع الدور الأكبر في ثقافتنا وتوجيهنا ومعرفتنا عبر اعلام المعلومة الجاهزة لا الرأي؛ إلا أن واقع معارض الكتاب السنوية التي تطلقها وتستضيفها أغلب الدول العربية تشهد عكس ذلك وتبعث على التفاؤل, فالأرقام الصادرة عنها تشير إلى أعداد كبيرة من الزوار، من مختلف الأعمار والتوجهات. المبيعات مرتفعة، والاقبال متنوع ولا ينحصر في فئة عمرية واحدة. أعداد الناشرين كبيرة والمعروض من الإصدارات كثير. في حين نشهد وباستمرار بروز مؤلفين وكتاب جدد مغمورين وغير معروفين كسرو احتكار المشاهير من الأدباء والكتاب، وفرضوا وجودهم وأثبتوا أنفسهم في فترة قصيرة عبر ابداعات نالت الاهتمام، وأحدثت أثراً ايجابيا.
إذا اين المشكلة، ولم دوماً نحن كعامة وجمهور محل النقد لكوننا هجرنا ثقافة القراء واتجهنا للإعلام الترفيهي, الذي جعل منا متلقين تابعين لا أصحاب رأي وفكر وثقافة؟ وهل مثل هذه المعارض السنوية والمناسبات تمثل المقياس الدقيق لقياس درجة ثقافة القراءة لدينا، أم أنها لا تعدو أكثر من رغبة مؤقتة وحدث مستفز لعقولنا ما نلبث ان نتحاشاه  بعد أن نرتب ما اقتنيناه من كتب في مكتبتنا بدون أمل للرجوع اليها والاطلاع عليها؟ وكيف نفعل حملة القراءة للجميع دون أن ندعي ذلك ونروج لها كحدث ثقافي ينتهي بانتهاء تغطيته الإعلامية!
اتوقع قبل أن نبدأ في غرس فكر القراءة, علينا أولاً أن نروج للثقافة الشخصية ومدى أهميتها وضرورتها, عبر حملاتٍ تدغدغ "الأنا" في داخلنا وتجمل لها انسانيتها وهي مثقفة تعي ما حولها وتسهم دوماً في نشر المعلومة واثرائها.
علينا أيضاً أن نستطلع موضوع الكتاب, وندرس توجه غالبية  الجمهور ورغباته وأهواءه وما يثير فضوله ويستفزه, ونستوعب تطلعاته فيما قد يجذبه للقراءة, مع العمل على عدم حصر ذلك في مجال بعينه، بل نسهم في احداث حالة من التنوع، دون التركيز على مجال على حساب آخر. هذا بالتزامن مع تأصيل مبدأ استغلال الوقت ولو قليله في القراءة أثناء الانتظار, والتربية المبكرة لأطفالنا وتعويدهم على أن متعة طفولتهم لن تكتمل لهم إلا إن قرأوا دون أن نحرمهم ملاهيهم الأخرى, ولكن مع احداث موازنة ايجابية في استغلال أوقات فراغهم.
لفترة قريبة وفي اغلب مجتمعاتنا العربية، كان العديد منا ينظر باستغراب وفضول وقد يكون استهجانا  لمن يحمل كتاباً في يده أو رواية وينشغل بقراءتها عن النظر في من حوله في وسائل المواصلات العامة، أو أثناء انتظاره مثلا لحافلة أو موعد اقلاع رحلته. نظرة أخرى وسمته ووصفته "بالمتفلسف" أو من يحاول أن يظهر للآخرين بشخصية المثقف. في حين وفي كل من حولنا من دول، ستجد أن ثقافة النظر للآخرين أثناء الانتظار في الأماكن العامة مستهجنه، والتصرف الأبرز للأغلبية يتمثل بقراءتها لما بين يديها أياً كان محتواه.
واقعنا يشير إلى أننا من أضعف الأمم القارئة, وأطفالنا هم الأقل, والأغلبية العظمى من الرجال والنساء في العالمين العربي والإسلامي لا يمضون وقتا يُذكر في القراءة, وعادة شراء الكتب لدى العديد منا في المناسبات لا تعني أبدأ أو تشير إلى تحسن مستوياتنا الثقافية, وازدياد الوعي لدينا بضرورة وأهمية وروعة المعرفة, التي يمثل الكتاب الباب والمنفذ لها, والسبيل الأمثل لنيلها.
أعطني أمة تقرأ وسأضمن لكم تمدنها وتحضرها وتقدمها وانسانيتها, وتخلصها من مساوئها والتزامها بالنظام والنظافة وتمتعها بالأخلاق واحترامها للقوانين, فالقراءة بجانب كونها تثقيف وتسلية; هي أيضاً تهذيب وسمو وتربية.



المصدر: مجلة فكر الثقافية - http://www.fikrmag.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...