الخميس، 22 مايو 2014

الأزمة السورية مستمرة!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة اللواء اللبنانية 21-05-2014

 

إطالة عمر الأزمة السورية قد يصب في مصلحة بعض القوى الدولية، وقد يشعر الجار الإسرائيلي بالطمأنينة بكسر شوكة أحد دول المحور العربي، ويؤخر بل يطيل إلى أمدٍ غير معلوم أي فرصة لإستعادة الجولان المحتل. كما أنه قد يستنفد مقومات حزب الله العسكرية، وقد يفقده بسبب تدخّله فيها مركز قوته في الساحة اللبنانية، ويلهيه عما كان يتغنى به عن كونه حزب مقاومة، نال بسببها نفوذا عسكريا مكّنه من فرض إرادته ورؤاه السياسية.
الحديث هنا عن الحرب, قذرة أججها نظام ديكتاتوري بعثي طائفي متشبث بالسلطة، ومعارضة عسكرية مستقطبة مفككة لم تستطع حتى اللحظة حسم المعركة على الأرض بسبب تفرّقها، وأخرى خارجية مشتتة الأجندة لا تملك نفوذاً أو قوة مطلقة في الداخل السوري، كما أنها غير قادرة على فرض إرادتها. هي حرب استهلكت مقومات الدولة السورية، ودمرت بنيتها التحتية واقتصادها ومؤسساتها واعادتها خمسين عاماً للوراء إن لم يكن أكثر، حتى ما إن يجهز الحل ويشاء المجتمع الدولي إنهاء الأزمة السورية،  يلزم السوريون حينها عقوداً لإعادة بناء الأطلال التي خلفتها حرب لا إنسانية وحشية تغاضى العالم عن إيقافها، وتكاسل عن قصد، وجعل من حرية شعب ساحة يفرض فيها كل طرف من القوى الدولية عضلاته لتحقيق مكاسب على حساب شعب هجر الملايين من سكانه وقتل وأصيب مئات الآلاف منهم.
كأن العالم لم يتعلم الدرس بعد مما جرى في لبنان وحرب الخمسة والعشرين عاماً الأهلية،  وأفغانستان واقتتال لوردات الحرب فيها، الذي تسبب بوصول طالبان للحكم فيما بعد. من بعدهم كان العراق، الذي تمكنت طهران من جعله ساحةً لباحتها الخلفية، وملعبا تصفي فيه حساباتها وتسعى من خلاله لخلق واقعٍ سياسي بمحرك طائفي مذهبي، يكون لها نقطة الانطلاق صوب دول الجوار العربي.
إطالة عمر الأزمات قد يقدّم مكاسب وقتية للمستفيدين منها، لكن على المدى البعيد، سيخلق مجموعة من القنابل الموقوتة للعالم، وهذا بالضبط ما قد تؤول له الأحوال في سوريا إن انتهت الحرب فيها. آلاف المقاتلين العرب وأغلبهم من الشباب المتحمس، سيعودون لبلدانهم  بفكر لا يتوافق مع الواقع السياسي في اوطانهم، وسيعمل البعض منهم على انشاء حركات مسلحة معارضة تنشد التغيير في بلدانها بالقوة، مما سيدخل دولهم في سنوات من الضياع والاقتتال، لن تنتهي بسلام ، بل ستكون آثارها حاضرة وقابلة للتفاقم في أي وقت وإن عاشت أوقات خمول. هي بمثابة خلايا ساكنة ستكون فعالة في أوقت، مما سيدخلنا والعالم أجمع في دائرة العنف والإرهاب التي لن يستثنى منها أحد، وعلى رأسهم القائمون الآن على دعم النظام السوري، والمتغاضون عما يحصل في سوريا.  أضف إلى ذلك فوضى انتشار السلاح الذي سيصعب السيطرة عليه، وحمى الانتقام في سوريا ما بعد نظام الأسد، المرشح لأن يكون قتل وإقصاء على الهوية.
انتفاضة السوريين ضد نظام الأسد لا رجعة فيها حتى لو تحولت جميع مدنهم وقراهم الى دمار شامل «وصومال آخر», وقرارهم الثورة ضد القمع والسعي للحرية سيكون العامل الذي سيحسم المعركة في النهاية, ولكن حينها سيدفع الجميع الثمن, والمقصود به هنا حالة الفوضى التي قد تستمر في سوريا لسنين طويلة, وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي سينتج عنه «أفغنة» للقضية السورية ومصدراً لتصدير القلاقل والعنف. لذا وطالما أن الحل ما زال بيد العالم الحر والدول العربية والاسلامية ذات الثقل, فعليهم جميعاً البدء في فرض وتطبيق حل لا نقاش فيه وبدون مزيد من المؤتمرات الشكلية والمفاوضات, وإنما واقع يطبق وتكون سوريا بموجبه تحت وصاية جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة ويستثنى فيه النظام القائم مع ضبطٍ للأوضاع الأمنية وجمع للأسلحة وإنشاء دستور جديد وفترة انتقالية يقوم عليها كفاءات من التكنوقراط, مع إعادة لتأهيل المليشيات والكتائب المسلحة, ودمجها جميعاً في جيش وطني بقيادة قوية مسيطرة, على أن تنبذ التدخل في السياسة الداخلية وألا تفرض ايديولوجياتها الدينية والفكرية على سياسة الدولة, أي تكون محايدة ووطنية. حينها قد ننجح والعالم في تفادي النتائج السلبية للأزمة السورية.
 
 

المصدر: جريدة اللواء اللبنانية - http://www.aliwaa.com/Article.aspx?ArticleId=205660#

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...