الأحد، 18 مايو 2014

ثقافة النخبة وثقافة الجمهور

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 08-05-2014



بقدر ما يشير مصطلح النخبة لفئة معينة من الجمهور تمتلك ما يميزها عن الآخرين، وتمنحها مكانة تتوافق مع تفوقها وتفردها، بقدر ما يمكن وصفه بالمعيم القابل لأن يُفسر على أكثر من وجه؛ خصوصاً في المجتمعات التي تعاني من الطبقية، والتي لا تقتصر فقط على الفهم الدارج لها بالشق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بل تتعداها لتضم أيضاً الفكري والثقافي.
أن تكون من النخبة في مجتمعك يعني أنك تمكنت من تقديم ما عجزت عنه الأغلبية، واستطعت أن توصل قناعاتك وأفكارك للآخرين، ليس من قبيل ضربة حظ وإنما بما أبدعه عقلك وفكرك، وتوصلت من خلاله لرؤى تمس الحياة بأي من زواياها.
وجود فئة من الناس مميزة في مجتمع ما لا يعطي انطباعاً عنه وتصوراً لمدى توافق نخبته وجمهوره، إلا إن كان هناك تنوعاً وتعدداً لنخبه بمشاربهم، وعدم اقتصارهم على مجالٍ بعينه. كما درجة التمازج والانصهار بين رواده وعامته، وعدم طغيان وجود أيٍ منهم على الآخر أو إلغاء له، وهو الذي إن حصل، قد يؤدي لنشوء أقلية نخبوية وأغلبية شعبية منفصلة عنها، ومتنافرة معها. هذا الفراغ إن حدث هو ما سينتج عنه مجتمع الصالونات المغلقة ذات الأهداف الراقية ولكن دون وجود شعبي لها على الأرض وعملي تستطيع من خلاله أن تنشر رسالتها وأيديولوجيتها للأغلبية من العامة، التي تمثل الأكثرية من حيث العدد، لكنها الأقل من حيث الحظوة والتطور والرخاء والحرية والسلم.
ثقافة النخبة وحدها لا تكفي لاستقطاب الجمهور حولها، ولن تستطيع كسب القضايا وتحقيق الأهداف إن لم تكن شعبية وبعيدة عن المثالية والتنظير، متمازجة مع ثقافة الجماهير، ومدركة لاحتياجاتها، ومستوعبة لأولوياتها، ومتفقة مع مطالبها، ومتماشية مع رغباتها.
المجتمع المتوازن هو الذي يصنع نخبه وفق احتياجاته، وهو الذي يغذي روح الإبداع بين أفراده، وهو الذي ينتج قوانينه، وهو الذي يلغي الطبقية ويحقق المساواة بين الجميع دون انتهاكٍ لآدمية فردٍ منه لحساب آخر متميز عنه بتفوقه عليه في مجالٍ بعينه. هو المجتمع ذاته الذي يربط بين نخبه وعامته ويعمل دوماً على عدم توسيع الفجوة بينهم، وهو الذي لا يفرق بين ثقافة الجمهور والنخبة إلا على أساس واحد فقط وهو خدمة المجتمع ككل والمصلحة العامة.
من زاوية أخرى، قد تسهم ثقافة الجمهور أو العامة في تحديد النخب، وقد يكون صعود الأخيرة رهن بممارسات العامة وعاداتهم وطباعهم وتصرفاتهم ونمط معيشتهم، إلا أن ذلك لن ينعكس إيجاباً لإحداث التغيير المطلوب دون أن ينزل المثقفون وأهل الرأي والحكمة من أبراجهم ليتعاملوا مع الناس بمثلية غير مصطنعة، مع نبذهم لمشاعر الفوقية والتصرف بطبقية وعلو. حينها إن لامسوا وتر الأغلبية من العامة، تمكنوا من تغيير تصرفاتهم وتوجيههم لنبذ الأخطاء، ليسهموا في تطور الشعب وتمدنه، وهو الذي سيكون نتيجته أمة لا تختلف نخبتها عن عامتها سوى في درجة التفوق، لكن التصرفات هي واحدة بينهم، وجميعها تعطي الانطباع للغريب عنهم عن مدى إنسانيتهم وتفوقهم الذي صنعه توافق ثقافة نخبهم مع بقية الشعب.



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/05/08/147834

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...