الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

الأيام دول لا تدوم

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 02-12-2015

 
 
ثقافة ترشح عنصرية ما يميز أمتنا العربية التي تمجد لغة الضاد، وتعدد حضارتها وقوتها وتفتخر بأصالتها وشعرائها ومعلقاتهم، فما نميز به أنفسنا، تجدنا وكأننا في غينا نعمه، وبالعقول نتلاعب، نعدد مزايا لغتنا ومكمن قوتها وتفوقها على مثيلاتها، مستدلين بقولهم إن "العجم" وإن عاشوا بيننا عشرات السنين، فلن يتقنوها لا تحدثاً ولا كتابة، بل يستخدمونها "مُكسرة ومُخلّعة"، وركيكة لكنها تؤدي الغرض بأن نفهم على بعضنا، حتى باتت العربية دخيلة على العامية واللهجات المستحدثة، لكنهم (أي المنظرون) أغفلوا واقعاً تعيشه أمتنا؛ بأننا لم نحاول حتى أن نولي مقيمي دولنا العربية من غير أبناء جلدتنا بعض الرعاية، ونوفر لهم مراكز لتعليمهم اللغة، بدلاً من أن "يلووا" ألسنتنا ويعلموننا هم العربية المُكسّرة؛ لأنهم وخصوصاً فقراء آسيا أقل مستوى منا!، في حين نرى في زرق العيون وخضرها (ولست واحداً منهم) سمواً للمكانة لا يتناسب معها إلا أن نحدثهم بلغتهم، التي أضحت شرفاً ومكانةً يتسارع البعض منا ليحدث بها أبناءه.
 
قبل فترة أذكر أني شاهدت على إحدى القنوات الفضائية حواراً ولقاءً مع أحد الأوروبيين، كان متيماً بالحضارة العربية، لدرجة أنه هجر بلاده وتزوج إحدى نسائنا العربيات، وأتقن لهجتها العامية ويقرض الشعر بها، في اليوم التالي، أذكر أن "صديقنا المستعرب" كان حديث الساعة ومصدراً للفخر والاعتزاز وكل الشرف، في حين يخرّجُ الأزهر الشريف في مصر والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سنوياً المئات من طلبة العلم من الدول الإفريقية والآسيوية من متقني اللغة العربية تحدثاً وكتابةً، وبعضهم حفظةٌ لكتاب الله، لكنهم يمرون بجانبنا مرور الكرام، فهم ليسوا من العرق الأبيض المحبب، الذي نسعى لهثاً للاقتداء به دون أن يعيرنا أي انتباه، فنحن في وجهة نظره راكبو الجمال، مستعبدو النساء، متطرفون إرهابيون!
 
عنصريتنا ليست موجهة فقط نحو من اعتبرناهم دوننا من الشعوب الأخرى، بل هي أشد فيما بيننا، فهناك العربي الفقير والغني، والمتمدن والمتخلف، والجاهل والمتعلم، والراقي والبدائي، والمتسول والمانح، وابن القبيلة والعائلة وضعيف الأصل والنسب.
 
لولا رحمة الله بنا، لكنا الآن مثل أميركا وجنوب أفريقيا أيام الفصل العنصري، ولكان المسلم والعربي يعامل حسب تصنيف دولته ومكانتها، فتجد دور العبادة والدراسة والخدمات العامة مفرقة حسب التصنيف العنصري والمكانة الدولية، ولما حظي مغتربو لقمة العيش بالجلوس في الطائرة أو الحافلة بجوار كريم النسب!
 
اعتدادنا بنفسنا أهوج أحمق، قدّم الآخرين وأخرنا، ومع ذلك نظرتنا لأنفسنا أننا الأشرف والأسمى والأنقى، والأكثر حظوةً ومكانةً بين ربعنا "لا بين الأمم"، التي تنظر لنا دوماً بتسيد، وننظر لهم بتبعية.
 
من أوجد العنصرية، ومن اخترعها وزرعها في النفوس؟
 
أهي شياطيننا ووساوس أنفسنا أو هوى أنفسنا الذي لامسته فتشبع بها، وآمن أنه السيد والآخرون عبيد، هو المُجتبى والمُختار، وما سواه العامة، إن كان كذلك فنحن وبنو إسرائيل إخوة ولسنا أولاد عمومة، لأن كلينا نؤمن أننا الشعوب المُختارة.
 
لن نستيقظ من غينا إلا إن أزلنا عن أعيننا غمام العنصرية والطبقية والمقام، وعملنا على ألا يكون فضلنا على الآخر قائمٌ على جاهٍ أو ثروةٍ وحظوة، وعملنا بقول المصطفى الكريم "دعوها فإنها منتنة"، فهل نحن بحلٍ من ذلك؟ وهل لنا من عظةٍ في من التهى سابقاً وتغافل عن قولٍ فيه عبرة.. "الأيام دول"!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=333977

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...