الأحد، 27 ديسمبر 2015

داعش ما بين الحقيقة والوهم والاختلاق

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في وكالة أكد نيوز للأنباء 24-12-2015

 
 
سكتنا عن داعش وغض العالم النظر عنها وتجاهل حماقاتها وتطرفها، بل وفي السر أيدهم بعضها وسهل لها السلاح والتقنية ووصول المسلحين. لم يحرك أحدٌ ساكنا عدى عبارات الشجب والاستنكار لوقف عمليات الاعدام الوحشية التي ترتكبها في حق من أسرتهم من فصائل المعارضة السورية المسلحة المختلفة معها عقديا، ومن نالتهم ايديها من صحفيين وعمال اغاثة أجانب، كانت تصفهم على الدوام بالجواسيس عليها، رغم أن الصورة واضحة ولا لبس بأن العديد منهم حركته إنسانيته لنقل حقيقة ما يحدث في سوريا، فيما آخرون وبدافع انساني تحدّوا الخطر ليقدموا المساعدات، فما كان من داعش إلا ان اسرتهم وذبحتهم بتلك الوحشية والهمجية اللا إنسانية، ونشرت مقاطع لجز الرؤوس ومن ثم رميها على جسد الأسير.
لم تنته فظاعة انتقامهم ان صح التعبير عند هذا الحد، فوحشيتها المفرطة في حرق الطيار الاردني الأسير لديها فاقت أي تصور، وقطعت الشك باليقين لمن لا زال يملك بعض البصيرة والشك تجاهها، ليعي بأن حرقها له بذاك السيناريو المعد والمخرج بتقنيات متطورة وعلى درجة عالية من الاتقان؛ لم يثبت ادعاءاتها بالمظلومية، ولم يكرس “بروباجاندا الخلافة الإسلامية” التي تروج لها لتستقطب الفئة المتحمسة من الشباب وضعاف العقيدة، إلى جانب من انخرطوا في صفوفها من المرتزقة والمنبوذين من القيادات والأحزاب الغابرة، وعملاء الاستخبارات وفلول النظام السوري البعثي المجرم، الذي تمكن من زراعة عناصره بينهم، وبهم ارتكب ما يسيئ للثوار والإسلام، ورمى حبل نجاة تشبث به الأسد بداع قتال التطرف الإسلامي الذي تمثله المعارضة السورية، التي الصقت بها ظلما تصرفات الدولة المزعومة سيئة الذكر!
داعش ولن اسميها تنظيم الدولة الإسلامي في العراق والشام؛ فالإسلام منها بريء ومن خلافتها المزعومة، التي لا تمتلك لإعلانها ما يعزز مقومات الخلافة، ولا البيعة لمن سمى نفسه بخليفة المسلمين؛ قد أثبتت أنها نتاج لعبة دولية تلاقت فيها مصالح مختلفة، اتفقت بقصد أو بدونه على دعمها وايجادها من العدم.
بالنسبة للنظام السوري، هي من منحته بعض الشرعية لمحاربة ما أسماه بالتطرف الإسلامي. للمالكي سابقا، هي من وقفت ضد ثورة العشائر العراقية واضعفت زخمها وأعطت المبرر للحكومة العراقية بمزيد من القمع، وأججت الطائفية والعداء بين مختلف الطوائف العراقية وعززت روح القتل والانتقام على الهوية.
اختلقت فيما بعد مشكلة الأيزديين، وهي التي أقحمت نفسها في عين العرب كوباني، واستجلبت عداء الأكراد، أملا من أطراف دولية بأن تدخل تركيا الصراع الدائر في تلك القرية الحدودية المجاورة لها، والتي يصعب فهم لماذا اغرقت داعش نفسها فيها، وهي التي لا تمتلك أي مكانة استراتيجية في الصراع الدائر سورياً.
داعش برغم عدائها المزعوم لا يران ومحاربتها للمليشيات التي تدخلت في سوريا، إلا أنها لم يسبق أن اعتقلت واعدمت أي إيراني مع كثرتهم في العراق وسوريا. كما أنها لم تدخل في قتال طويل مع اي منهم، وكذلك مع النظام السوري، بمقدار شقها لوحدة المعارضة السورية المسلحة، واقتتالها معهم، وهو النابع من تكفيرها لكل من يخالفها عقيدتها التملكية ونزعتها السلطوية الانتهازية.
بالنسبة للأطراف التي ترى في الاسلام والصحوة خطرا متنامياً، شكلت داعش بوقها الاعلامي المسيء، الذي لم يتوانى عن ارتكاب المجازر والاعدامات والقتل والشنق والرجم بحجة تطبيق الشريعة!
مقاتلي داعش وقياداتها تم تجنيدهم من مختلف دول العالم، وسهل وصولهم وانضمامهم اليها بغرض تجميعهم في مكانٍ واحد يُسّهل القضاء عليهم حين انتهاء دورهم في حرب الآخرين باسم الإسلام لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية لأطراف دون أن ترهق قطرة دم من جنودها؛ وبعلم من دولهم نفسها وأجهزة استخباراتها. روسيا أيضا كان لها مصلحة في تصدير من تصفهم بالانفصاليين الاسلاميين من الشيشان وجمهوريات القوقاز.
في عالم اليوم، لا يمكن أن تهرب إبرة في كومة قش دون أن تكون أجهزة الاستخبارات العالمية على علمٍ بها ومكانها، فكيف بمقاتلين مصنفين على درجة عالية من الخطورة تجاوزوا للوصول لسوريا نصف العالم؛ دون أن تكون تحركاتهم مكشوفة ومراقبة!
عقب الفيديو سيء الذكر لحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، كثرت الأقاويل والتحليلات. منها من شكك بصحة المقطع، ومنها من جعل من صنعه مؤامرة قامت عليها اجهزة استخبارات دولية، فيما أخرى تساءلت عن اقمار التجسس الأمريكية فائقة الدقة التي تغطي كامل الأراضي السورية، لكنها فشلت في كشف الحادثة. آخرين تحدثوا عن الأثر الذي تركه في نفس الشعب الأردني ليقدم تفويضاً وتوقيعا على ورقة بيضاء لحكومته للانخراط اكثر ضد تنظيم الدولة، ليستنتج بعض المحليين على أساس ذلك ما يدعم نظريتهم بوجود مؤامرة, مدعمين قولهم بأن الأغلبية العظمى من الأردنيين كانوا يروا في حرب داعش شأناً لا يخصهم, كما أن الأخيرة تحظى بتعاطف فئاتٍ لا بأس بها من الشعب, ولها أتباعها المتحمسون لها والمنظرون لفكرها في كامل تراب الدولة, ومعان على وجه الخصوص أحد أبرزها.
الأقوال والتحليلات لن تختفي بل ستتنوع بين مصدق ومكذب، فيما كلٌ منهما يدعم أقواله بما يراه من براهين. لكن الأكيد من وجهة نظري هو  أن التطرف والتشدد والعالم الحر والأفكار الانسانية التحررية وهذا يشمل الديموقراطية جميعهم معادلة كونية تمثل اقصى اليسار واليمين، فيما المنتصف متروك لمن يحكم, وبدونهما لن يحكم من يريد السيطرة، فهما من يمنحاه الشرعية والوجود.
داعش وان كانت حقيقة وواقع الا انها صنيعة وتآمر عدة جهات دولية مختلفة المصالح لتحقيق اهداف خاصة لكل منها، وهذا يشمل ايران وبشار والعراق وامريكا والغرب واسرائيل وروسيا بتغاضٍ وتعاطف من بعض الدول العربية. هي ببساطة سلة قنابل شارك الجميع فيها كلٌ حسب مصالحه, لكنهم جميعا لم يضعوا في حسابهم أن هذا التنظيم قد ينقلب على قياداته يوما, وقد يتحول الى خلايا صغيرة لا مركزية القرار موزعة أفرادها في مختلف دول العالم, ستعمل يوما على أيقاظ فتن لن يسهل أبداً إخمادها!
 
 

المصدر: وكالة أكد نيوز للأنباء- http://www.akadnews.org/2015/12/24/%d8%af%d8%a7%d8%b9%d8%b4-%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%87%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%82/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...