الأحد، 27 ديسمبر 2015

أبطال على ورق

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 22-12-2015

 
 
عظماء كانوا لكن دون أقنعة، أبطال ودون أن ينتظروا إشادة، هامات لن ينساها التاريخ لما قدمته للأجيال، ولن تنساها الإنسانية لما أسهمت في سبيلها، لم يدر في خلد أيٍ منهم حين قدم ما قدم أنه سيترك خلفه ذكرى عظيمة لا تنسى، ولم ينتظر أيٌ منهم شكراً ولا جزاءً، هم جند معركة الخلود المنتصرون بتضحياتهم في سبيل سمو أهدافهم، وهم ذكرى حية بأفعالهم التي مهدت السبيل لمن كان في زمنهم وجاء بعدهم، فألهمهم السبل نحو القدوة الحسنة دون تطبيل وبهرجة وإعلام يشيد بهم ويُرجع لهم الفضل.
 
هم أبطال حقيقيون ولكن دون رياء، وهم حاملو لواء الإنسانية التي حركت مشاعرهم فجعلتها محفزا لهم لعمل كل ما هو صواب أيا كانت عقباته، حتى لو أدت للتضحية بما يشق على النفس التخلي عنه.
 
كان القرشي الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الرمادة لا يأكل إلا الخبز والزيت، حتى أسود جلده، ويقول: بئس الوالي أنا إن شبعت والناس جياع، وفي موقفٍ آخر له، شكره الناس في توزيع مال بيت المسلمين، فاستنكر هذا الشكر، وقال: "ما بالهم نعطيهم حقهم ويظنونه منة مني عليهم!".
 
هذا كان سابقا، أما في زمننا المجيد هذا، فما أكثر إنجازاتنا على الورق التي تمطرنا الأقلام بها كل يوم، بفلان العربي الشامخ الذي اخترع كذا، وحاز على براءةٍ في تلك، كما تلك العربية التي نالت جائزة الاستحقاق بسبب مجهودها في اكتشاف ما، وهكذا دواليك، أمجاد على ورق لم نر توابعها ولم تتقدم الأمة العربية والإسلامية بسببها، بل ما زالت على ما هي عليه من استكانةٍ وتبعيةٍ وتأخر، واعتمادٍ على الآخر الذي طالما وصفناه بالغرب العلماني المادي، لكننا حين يهل موسم الإجازة السنوية نهرع لسفاراته طلبا لفيزا تخولنا التجول في أراضيه، والاستمتاع بأجوائه المنعشة ومرافقه السياحية المسلية، التي لم تأت بسبب غناه فقط، وإنما لإخلاص مواطنيه وتفانيهم في عملهم لإعمار بلدهم، وفق تصورهم له وحلمهم، ودون أن يتوقعوا أن يدرك العامة أسماءهم، وأن تتحدث عنهم القنوات التلفزيونية، وأن تتم الإشادة ليل نهار بما أنجزوه، فيما هو في الأساس مهام عملهم وواجبهم المنوط بهم أداؤه.
 
عقدة جديدة يجب أن نضيفها لمآسينا المتعددة، اسمها البطولة الزائفة، التي تختلقها أرواحنا التواقة للمجد الغابر، فتصنع وكما يُقال شعبياً "من الحبة قبة"، ويبدو أننا تأثرنا بالأفلام الأميركية التي تمجد البطولة، والأفلام الهندية التي كنا نضحك على الخارق فيها حتى بتنا ندعيها، ونجد من يمجدها ويهلل لها!
 
لكم أن تطالعوا عينة عشوائية لعدد من الصحف والمواقع العربية لتجدوا سيلا من الأخبار والتقارير التي تتحدث عن اختراعات عربية في مجالاتٍ عدة، يتم تضخيمها وإعطاؤها أكبر من حجمها الحقيقي، للعلم، فأنا لا أحقر مجهود المجتهدين ولا ما يقدمونه، ولكني ضد أن نضعه في إطار هو أكبر من حجمه، وضد أن نستخدمه لري نشوة مؤقتة غير صادقة تؤتي أُكل السوء في المتلقي لها، وتخدع العامة التي في نهاية المطاف ستأوي لفراشها ظانة أنها ستستيقظ صباحا على حدثٍ مصدره ابن بلدها، يهز المجتمع العلمي في العالم أجمع، فيما هو كفقاعة صابونٍ اكتسبت حجم كرةٍ لكنها سرعان ما ستنفجر لتنتهي للا شيء.
 
كل ما أدعو له هو أن نبتعد عن المبالغة والمغالاة في الطرح والمدح والإشادة، وأن نكون موضوعيين وعمليين، إن أردنا ردم الهوة بيننا وبين من سبقنا في درب الحضارة وتعدانا من الأمم!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=337814

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...