الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

انتهاك حرمة الطفولة باسم الدين

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 16-12-2015

 
 
التنطع.. التشدد.. المغالاة.. جميعها كلمات تقودنا إلى نفس المعنى المحزن، الذي بات سمةً للبعض يظن بما يفعل أنه يُحسن التدين، فيما هو يسيء ليس لنفسه فقط وإنما لأمة المليار مسلم، التي هي بلا شك براءٌ منه ومن فعله، ومن تطرفه الديني الذي لا يمت للإسلام ولا يجب قرنه به!
 
بالأمس لفت انتباهي نشر إحداهن صورة طفلة في السابعة من عمرها، تتوشح بالسواد الكامل من أعلى رأسها لأخمص قدميها، ترتدي قفازات بيديها وجوارب بقدميها وعباية جرى الاصطلاح على تسميتها "بالشرعية"، لكونها تلبس على رأس المرأة لا على كتفيها، "كما يرى البعض ويفتي بحرمته".
 
وصفت من نشرت الصورة الطفلة "بملكة الحجاب"، وتحدثت بزهو أن هذا هو لقبها في دار التحفيظ المشتركة بها، وتحرص يوميا على الحضور لها بهذا الزي، جدتها على حد قول معلمة التحفيظ فخورة بأنها (أي الطفلة) قد امتنعت بمحض إرادتها عن لبس ما أسمته "بالبنطال" منذ أن كانت في الخامسة بفخرٍ، وكأنه يخيل للسامع أن ارتداء البنطلون كبيرةٌ إن قامت به المرأة ومعصية!
 
طبعاً ردود الفعل وتجاوب القراء على الحدث كان كما نراه على الدوام؛ أحد تيارين، إما أن يدعو للطفلة بالثبات ويثني وعيناه تدمعان على خلقها الشرعي، وآخر ثارت ثائرته ورعد وأزبد ودعشن، ولكن دون أن يقدما قراءةً موضوعيةً للأمر، ومدى صحته من عدمه، وما الدليل على ذلك.
 
أولاً يجب أن نعي أن الأطفال في سنهم المبكر ذاك مقلدون، وكذلك تلك الطفلة البريئة هي مقلدة ولا تعي مصلحتها ولا الخطأ من الصواب، فهي ترى من هو أكبر منها سناً في بيئتها يلتزم بالحجاب "أياً كان شكله"، وتقوم بالاقتداء به وتكراره، وخصوصاً إن وجدت من يشجعها على ذلك، دونما إدراكٍ للحق الإنساني لها بأن تحيا مرحلتها العمرية كغيرها من البنات، فهي ووفق الشرع الذي ارتضيناه موجه لنا، وهي لم تبلغ الحلم بعد، ومرفوعٌ عنها القلم وغير مكلفة، فلماذا نقوم نحن الكبار، الذين يفترض بنا أن نكون عاقلين، بتحميلها ما لا طاقة لها به، ألا يعد هذا الفعل المغالي في كل الشرائع الدنيوية انتهاكا للطفولة، وليس بالأمر الذي يُفتخر به!
 
يا من فرحتم بها وادعيتم أن ما فعلت بتشجيعٍ منكم هو الصواب؛ لتعلموا أنها يوما ما حين تكبُر وتعي ستعاتبكم بضميرها وروحها، وإن لم ينطق به لسانها، متسائلةً: لم كان كل من في مثل سنها من الأطفال يستمتع بطفولته، فيما هي تعيش أجواء امرأة ولا تعي ما تفعل، بل تقلدكم في حجابكم الذي أؤكد لكم عدم اختلافي عليه لمن هي مكلفة كواجبٍ شرعي، "ولا أقول النقاب" الذي ورد الاختلاف فيه، مع ترك حرية ارتدائه لمن أرادته، وعدم فرضه على من نأت عنه وتركته.
 
أرثي حال الطفولة التي ظننا بما نفعل بها خيرا، عبر تطويعها لتكون مسيرةً لتطبيق رؤانا نحن الكبار، دون اعتبارٍ للعمر الذي له حقٌ أن يُعاش بقوانينه البريئة المخصوصة بنتاً كان أو ولدا!
 
صدقيني يا ابنتي الصغيرة التي وصفوك بـ "ملكة الحجاب": ستكبرين وكل عُقد الدنيا فيك، وستعانين بسبب من ظن تنطعا أنه يتبع الدين، وهو للأسف لا يمت بما فعل لصلةٍ به، بل يسيء ويسيء ويسيء!
 
دعوا أحلامكم أيها الكبار ورؤاكم وتدينكم لكم، ولا تفرضوها عنوة على الأطفال، واهتموا أكثر بالأخلاق الحميدة التي أصّلها ودعا لها شرعنا الحكيم، فهي النبراس الذي سيضيء حاضرهم ويبني مستقبلهم، وبه تزدهر الأمم وترقى، لا بالتنطع والمغالاة واختراع البدع التي ليست من الدين في شيء، وترهيبها أكثر من ترغيبها، ولا تعكس روح الإسلام السمحة ولا طبيعته الوسطية.
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=336584

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...