الأحد، 3 يناير 2016

لا لتسييس الدين

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 29-12-2015

 

 
 "لو كنت مكان الشعب لما سألت السادات عما يفعل"، قالها غفر الله له الشيخ المحدث الشعراوي إطراءً للراحل أنور السادات في وقتٍ ما كانت السلطة قد استمالته، أو لنقل استطاعت تحييده عبر تعيينه في منصبٍ رسمي، لا بد أن يكون من ضرورات الانتماء إليه المهادنة إن لم تكن المجاملة، التي تتداعى فيما بعد لتكون استكانة وتواطؤا مع الطرف المشغل ضد الآخر المعارض، يعني على سبيل الاقتباس ووفق "الصيغة السياسية اللبنانية" (14 آذار و8 آذار)، أي الممانعة والموالاة!
 
المهم، هو أن الشيخ الشعراوي لم يُطق ذلك، وأدرك بحسه الذي لا يجاريه إلا مقدرته العظيمة في ترجمة كتاب الله الكريم، أن مكانه المنابر لا المكاتب، فاستقال وعاد لممارسة محاضراته ودروسه التي كسرت الحواجز بينه وبين العامة، فقد كان حريصاً على ذلك، وهو المتواضع الذي كان كلما زينت له نفسه السمو كسرها عبر قيامه بنفسه بتنظيف دورات المياه في المساجد، تركيعا لها كي لا تصاب بالغرور والزهو!
 
يا ترى، كم من علمائنا الأفاضل الأجلاء ولا أزاود عليهم أو أنقص من شأنهم من قد وضع لنفسه ميثاقا لا يُخرق، بأن يلتزم الدعوة دون السياسة، وبأن ينأى عن التجاذبات التي تحدثها، ويكون من عواقبها أن يضطر لأن يدعم موقفاً تجاه أمرٍ ما حيناً، وفي آخر ينقلب عليه ويشجبه، السياسة هي فن إدارة الأزمات والنزاعات، أي ببساطة وبلغة العامة المقدرة على أن تتلوى كالأفعى، وفق متطلبات المرحلة والحاجة، فهل تلك صفة جديرة بأن تكون في رجل الدين والدعوة؟!
 
نأي الدعاة عن السياسة يعني عدم الاشتراك بها بشكلٍ مباشر عبر الانخراط في تياراتها المتصارعة والمتناحرة متباينة المواقف، وإنما الاكتفاء بالدعوة للحق الذي يرونه عبر منابر حيادية، لا تشد على يد طرفٍ ضد الآخر، ولا تتدخل لأحدهما نصرةً له في موقفٍ يشتت العامة إلا إذا كان الأمر حقاً جلياً توحدت عليه آراء الشعب أو الأمة، ورفضت فرضه عليها بالقوة من قبل أقليةٍ تمتلك السلطة، وتطوعها لمصلحة الخاصة لا العامة، حينها يكون دور العلماء والدعاة هو التنوير والدعوة جنباً إلى جنب مع كل حرٍ أياً كان انتماؤه ورؤاه، طالما يخدم الهدف، في تصاهرٍ مصلحي يتناسى الجميع فيه اختلافاتهم نصرةً للقضية.
 
حينما نطالب بأن تكون الدولة تحت حكم تكنوقراط لا ثيوقراط، لا نعني بذلك أننا ندعو لدولٍ مادية جوفاء خالية من روح الدين وتأثيره، ولا أقصد بأي حالٍ ألا يكون الإسلام المصدر الأساسي للتشريع، وإنما أطالب بأن يكون المسؤول فقط هو المناسب لما سيتم توكيله به، فلا مانع بالتالي بأن يتولى المحافظ والملتزم كغيره من أصحاب القدرة منصباً سياسياً، ولكن أن يكون المعيار في ذلك قدرته الإدارية لا تدينه وعلمه الشرعي، ولا يجب أن يوصله للمنصب أو يكون سبباً فيه.
 
مشكلتنا بصراحة أننا خلطنا العلم الدنيوي بالشرعي، حتى بات من يظن أنه داعية للأخير يتكلم في الفيزياء والفلك وهو على جهلٍ بهما، كذاك الذي أراد أن يُثبت أن الأرض مسطحة عبر تفسيرٍ سطحي لم ينل بسببه إلا التهكم من العرب قبل أعدائنا، الذين أدركوا أن خير وسيلةٍ لهم في مهاجمتنا هي فضح ونشر هرطقات وهلوسات البعض منا!
 
قيام الدولة المدنية الحديثة لا يعني كما يُروج له ويصور بالعداء للدين، ولا تعني الليبرالية والحرية استيرادها كاملة وتطبيقها بمجتمعاتنا، دون أن نستخدم القص واللصق بها، فندع جانباً ما يختلف مع عُرفنا وشريعتنا وعاداتنا وتقاليدنا، فيما نأخذ منها ما يسهم في تطورنا، ويؤصل الإنسانية والمساواة والعدل والأخوة لدينا.
 
يبقى أن أذكر بمقولة للشيخ الإصلاحي سليمان الطريفي يقول فيها: "ليس للدعاة إلا مهمة التبليغ والتذكير، والناس أحرار فيما يختارون، والحكم على الناس لرب العالمين يوم يقوم الأشهاد، فلا تجعل من دين الله جبروتاً".
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=339013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...