السبت، 16 يناير 2016

رهاب الكلمات

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 06-01-2016

 
 
قطعت علي طفلة صمتي بسؤالها لي عن الفرق بين الأغاني والأناشيد، للحظة خاطبتها وفق تصوري الذي لا أرى فيه فرقا بينهما، ففي كلاهما متعةٌ للسامع تصاحبها نشوة تنقله لأجواء الكلمة التي تحتويها.
 
لم تعجبها إجابتي التي في الأغلب لم تفهمها، فاستطردت دون أن تلتفت إلي ولا لتفسيراتي، لتلقي علي ما تم تلقينها أياه بأن الأغاني حرام والأناشيد حلال، لكون الأولى تحتوي على الموسيقى والكلمات المحرمة، أما الثانية فهي شرعية.
 
للحظة كنت على شفير الثورة، ليس لأنني أحلل الأغاني أو أحرمها، فهذا أمرٌ متروك شأنه لذوي الاختصاص الشرعي، ولكن لأن تفسيرها أثار في نفسي نقمة تجاه التحريم اللفظي للكلمات بناءً على مسماها لا ما تعنيه ويرد فيها.
 
ما الفرق فعليا بين الأغاني أو ما يسمى بالأناشيد، وهل سبب حرمتها حسب رأي العلماء هو في كينونتها كغناء أو بسبب ما يصاحبها من منكرات شرعية، وهل هناك قول جازم بحرمة الموسيقى من جمهور العلماء، أم أن بعضهم لا يرى فيها حرمة، ويقتصره على ما قد يثير الشهوات والمنكر من ألفاظ ومناظر وتصرفات وأفعال ترد فيها!
 
يقودنا هذا التساؤل للبحث: هل السبب في التحريم هو المعنى الظاهري والمسمى، أو لما يمثله من عمل، وهل يجب علينا أن نصبغ على بعض الكلمات طابعاً شرعياً فيما الأخرى المماثلة لها بالمعنى تُخصص للاستدلال على التحريم.
 
مثال آخر استرعى انتباهي، وهو نبات دوار الشمس الذي يسميه البعض عباد الشمس، هل إن نطقناه بالأخيرة نكون قد ارتكبنا إثماً شرعياً، كوننا وصفناه بالنبات الذي يعبد الشمس، أم أن المعنى هنا مجازيٌ كون هذه النبتة عُرف عنها ميلانها الدائم تجاه الشمس، ولذلك أطلق عليها الإنسان هذا الاسم، وفق ما وجد منها من طبيعةٍ في شكلها ونموها؟
 
ثقافة الترهيب اللغوي وما يتبعه من تحريم أراها بدعة متجذرة في مجتمعاتنا، التي باتت أحياناً وبقيادة البعض تحرم وتحلل بناء على المسمى لا الوصف والشكل والمضمون.
 
لماذا تحولنا لمتشددين يدققون في كل كلمة وجملة، ولم تمرست العامة في سؤال المشايخ ورجال الدين لأمور تافهة وبعضها سخيف، كسؤال أحدهم هل يجوز لبس الطاقية (الكاب)!
 
لم بتنا نركز في ما يقال بعيدا عن المحتوى والمعنى المقصود، ولم سوء الظن بالآخر هو السائد بدل إحسانه.
 
حقيقةً ما أضاع أمما وشعوبا من قبل هو لهاثها المفرط خلف التفاصيل الدقيقة، وتركها للأساسيات، وأخذها الآخرين بالخطأ توقعا لهم بدلا من الصواب؛ هو ما سيطولنا إن استمررنا في سطحية تفكيرنا وسوء الظن المعشش بأدمغتنا، التي لا تعرف الانفتاح لنفسها، ولا هي مستعدة للسماح به للآخرين.
 
حتى في حواراتنا اليومية، كثيرا ما نسمع جملة "حرام عليك"، لأمورٍ لا علاقة للحرام والحلال بها أو الشرع، إنما هي عبارة تأصلت في اللاوعي لدينا، حتى أصبحنا نستخدمها في كل ما نختلف فيه، وأحياناً نقولها على سبيل الاستفسار أو الاستهزاء!
 
سمعت أكثر من مرة من أصدقاء ومعارف مواقف حدثت معهم مع غربيين استهجنوا منهم الترديد "إن شاء الله" أمامهم، باستمرار في كل إجابة، لدرجة أنهم طلبوا أكثر من مرة من محدثيهم ألا يقولوا لهم هذه الجملة، بل أن يعطوهم وعداً صادقاً للإيفاء بما يطلب منهم!
 
بالطبع كمسلمين قناعتنا ويقيننا دوما متعلقٌ بمشيئة الله سبحانه وتعالى، الذي نتوكل عليه في جميع أمورنا، وكلنا إيمان بأن لا مشيئة إلا لما كتبه وقدره سبحانه، إلا أن استخدامنا الروتيني للعبارة من باب التملص من الإجابة، والتهرب من الوفاء بالوعد والمناورة، هو الخطأ الذي اعتدنا عليه. أحيانا نكون متأكدين من قرارنا أو موقفنا
تجاه شأنٍ بعينه مخالفٍ في مضمونه لما يتوقعه السائل، لكننا بدلا من مصارحته وقول الحق أياً كانت نتيجته، نتهرب ونكذب ونعطي وعودا نعلم علم اليقين أننا لن نفي بها!
 
حين تتحول أي أمة مؤمنة صوب التدقيق المبالغ فيه، والمغالي في المعاني والكلمات، فتأكدوا أنها ستتجه نحو الغلو بدل الوسطية والاعتدال، وهذا بالفعل ما أمسينا عليه، وأصبح للأسف حالنا!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=339948

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...