السبت، 16 يناير 2016

دُعاة لا غُلاة.. وأحرار لا متحررون!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 13-01-2016

 
 
في بعض مساجدنا يدعى على الكفار والمشركين في كل خطبة لصلاة الجمعة دون كللٍ أو مللٍ وبنفس الوتيرة، قد أفهم السبب وأستوعبه إن كانوا أعداء لنا موغلين في جراحنا، ومتآمرين علينا في السر والعلن، معلنين موقفهم بل فخورون فيه؛ لكن ما لن أستوعبه أو أتقبله هو الدعاء بهلاك المسلمين منا، ولكن من يتم وصمهم بالليبراليين والعلمانيين، الذين يتم على الدوام مقاربتهم لصورة الشيطان الأكبر، الذي يشكل أكبر خطرٍ على الأمة العربية والإسلامية، ويتربص بها السوء لإيقاعها في الكفر والرذيلة!
 
السؤال: هل كل ليبرالي أو علماني أو مدني وداعية للحرية ضال يسعى للفساد؟، أم هو إنسان مسلم ملتزم بعقيدته، ولكن يطالب في نفس الوقت برفض الكهنوت والتقديس الأعمى، ويسعى لتجنب ثقافة "الأكليروس" الكاثوليكية، في الخلط بين السياسة والدين وتجيير الأولى ولو بالباطل خدمةً للأخيرة؟
 
الواقع يقول إن في كل فئةٍ من هو متطرف في فكره، ومسرف في مطالباته ومفرط، وهذا الحال ينطبق على الليبراليين، فمنهم من يسعى لاستجلاب التجربة الغربية بالكامل، والاهتداء بها والعمل في مجتمعاتنا، لكن منهم- وإن كنت أرى الأغلبية هم المطالبون بالعدالة والحرية والمساواة والانفتاح العقلي، وعدم الانقياد للتيار الديني والسياسي، وانصهارهما في بعض الأحيان دون بصيرة وتفكير- من انقلب على عقود من التغييب والتخويف والترهيب المبالغ فيه، وهم من بات يرفض أن يقال له إن لحوم العلماء مسمومة، لمجرد نقد موقفٍ لهم، أو رفضه بأمرٍ جدلي لم تتفق عليه الآراء بين معارض وموافق، أو محرمٍ ومحلل؛ فتُرك الأمر حينها للمسلم لأن يأخذ بالرخصة الفقهية؛ بأن يستفتي قلبه ويعمل بما يرتاح له.
 
الخلط بين اللادينية والمدنية الصرفة المتحررة من القيود الدينية والعرف الإنساني والتقاليد المجتمعية، والليبرالية المعتدلة الوسطية المتطابقة شكلاً ومضموناً مع مجتمع بعينه، التي انتهجت التفكير ورفضت الحجر على العقول، هو أساس سوء الفهم الدارج لدى فئة الغاضبين على منابر المساجد من الخطباء والدعاة، الذين يتصورون أن كل ليبرالي شارب للخمر، محلل للزنا والاختلاط المحرم، داعية للفجور والانحلال الأخلاقي، بينما هو في واقع الأمر لا يعدو أن يكون داعيةً حقوقيا أخذ على عاتقه أن يطالب، وعلى سبيل المثال، بحقوق المرأة داعياً لتعليمها وعملها، أو يرفض من الأساس نهجاً يرى فيه أن يكون التدين هو المعيار للمنصب، ويطالب بأن تكون فئة المحافظين قابلة للنقد والمقاضاة، ورافضا لأن يكون لها حصانة تمنع عنها المحاكمة والعقاب، كما يرى أن خصوصيات الناس مصانة دون تربص بهم وتعقب، وأن الدين النصيحة، لكن دون فرضها بالقوة، واستغلال قوة القانون لفرض وجهة النظر بالمطلق، وعدم تقبل درجة اختلاف البشر وتدينهم، وإجبارهم على اتباع فكرٍ بعينه وإلا تتم معاقبتهم.
 
استوقفني قبل أيام تعريف أحدهم لليبراليين، وقال فيه نصاً:
 
"الليبراليون وضوءهم الخمر، ومحرابهم المرأة، وقبلتهم البيت الأبيض، وصلاتهم تسبيح بحمد الغرب، وتسليمهم شتم للإسلام، ونوافلهم سب الصالحين".
 
هذا التعريف أثار في نفسي ذعراً من الحالة التي أمسى فيها الخلاف سيد الموقف بين فئتي المحافظين والديمقراطيين في العالم العربي، "وفق العرف السياسي الحزبي الأميركي"، اللتين يفترض بهما أن يكون لهما التأثير الأكبر في القيادة والريادة، لكنهما بدلاً من ذلك تفرغتا لحرب لا رابح فيها، يتملك طرفيها الرغبة الملحة، ليس فقط بالانتصار بالمعركة، وإنما مسح الآخر من على وجه الأرض، بعد شيطنته وتكفيره، أو دعشنته وتطرفه.
 
في منابر الحوار الثقافي النخبوي والتجمعات الأدبية والأمسيات الفكرية الأغلبية فيها من التيار الواحد، وكأن المجتمعين يتحدثون لتأييد بعضهم بعضا في نقدهم المطلق لأصحاب التيار الآخر، الذي لو حضر نفر منه الاجتماع لتعرض لعاصفة غاضبة لا تبقي له ولا تذر، هذا إن لم يُطرد ويضرب وتنتهك كرامته!
 
لم يخالجني أدنى شك برفض اقتراح طرحه علي عقلي عقب أدائي صلاة الجمعة، للتحدث مع أحد الأئمة، طالباً منه بأن يدعو على الأقل للأخوة المسلمين من الليبراليين والعلمانيين بالهداية والصلاح، بدلا من الدعاء عليهم بأن تنشق الأرض وتبتلعهم، نأيي عن إسداء النصيحة نابع من إدراكي أنني لن أخرج منها بنتيجة إيجابية، بل قد اتهم بالضلال وبأني من أتباعهم، مع أن رغبتي الوحيدة من ورائها نشر فكر الاعتدال، والتحبيب والترغيب والتقريب، لا التفريق وزرع العداوة والفرقة.
 
يسعدني في زمننا هذا، ومع مجتمعي المتنطع والمتشدد، أن لا آخذ بزمام المبادرة وجها لوجه مع أي من الفئتين المتناحرتين، وسأكتفي بما أطرحه وأكتبه فقط في الورق، علّي أجد قارئا منصفاً شجاعاً مقداماً، ينقل ما كتبته لأحدهم فيقتنع به، ويترك عنه القناعات المسبقة، ويحكم عقله في الاختلاف، ولا يعمم الكره في حالة الخلاف.
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=340954

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...