الجمعة، 14 مارس 2014

أن تكون إنساناً

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية الإماراتية 14-03-2014



أصبحنا في كثير من المجتمعات قساة متحجري المشاعر والأحاسيس، تحجرت عيوننا فلم تعد قادرة أن تروي الخدود بدموع ترطب ما أصابها من جفاف، دمعنا عصي علينا وضحكاتنا تتناثر منا كابتسامة غجرية غانية لكل من يرميها بمال حرام.
تبلدنا، ففقدنا إنسانيتنا، فتحولنا من بشر لكائنات أخرى بين هذا وذاك، لا تعرف الرهف ولا الحس، ولا تسعى إلا كي تشبع نزواتها الحيوانية وجنون عظمتها.
استعبدنا بعضنا وتجبرنا، ففقدنا التعاطف وأمسينا سادة وعبيداً، صفوة وقاعاً، أغنياء إقطاعيين وفقراء معدمين.
أن تكون إنساناً ليس ضربة حظ أو صدفة، وإنما هي تربية للذات وسمو للأخلاق ورهف للمشاعر وصدق للأحاسيس ومشاركة للآخرين وتواضع للأقل واحترام للأجدر، وسعي دؤوب، لكسر غرور النفس وتعليمها التواضع، وتدريبها على الإيثار.
أن تكون إنساناً تعني ألا تحاول أن تكبت مشاعرك حين تشاهد مقطعاً يدمي، وألا تمنع عينك من أن تدمع، وبأن ترخي العنان لبكائك، كي يبلل ياقتك.
تتذوقه شفتاك، فتشعر بملوحته، فتزداد لوعتك ويجهش صوتك، وكأن مرارة الدمع تزيدك رغبة أكثر وأكثر في أن تجهش وبصوت عال علك تحرر ما في داخلك من كبت آن له أن يتفجر بعد أن زاد على قدرتك على احتماله أكثر!
ما أجمل أن نختلي بأنفسنا لليال وساعات، مع ضوء خافت وهدوء مطبق، نستعيد فيها إنسانية مشاعرنا ونذكيها رهفاً ورقة، نرخي لها العنان بأن تتمرد على ذاتنا، ونتبادل معها الأدوار، فتكون السيد ونحن التابع.
لا نضطر إلى إخفاء احمرار عيوننا عمن حولنا، ممن عودناهم على تماسكنا وقساوة قلبنا، بل نهيم في بحور الذات كحصان بري جامح لا يقدر أمهر سائس على ترويضه.
أتساءل دوماً لم ربطنا العاطفة بالرومانسية، والتي ربطناها بدورها بالحب للجنس الآخر؟ وتناسينا أن أسمى درجات المشاعر هي أن يكون الإنسان إنساناً بما تعنيه كلمة إنسان من معان سامية، وأن يتصرف بإنسانية تجاه من حوله من دون أن ينظر إلى دينه أو مستواه أو مكانته الاجتماعية وأصله وقبيلته ولونه وعرقه!



المصدر: جريدة الرؤية - http://alroeya.ae/2014/03/14/134772

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...