الأحد، 30 مارس 2014

صديقنا تويتر

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 30-03-2014



العزيز تويتر جعل منا جميعاً حكماء وأدباء، مفكرين وفلاسفة ومبدعين، ثوريين ومتدينين وسلفيين، تقاة ومتحررين، لكنه حتى اللحظة لم ينجح في أن يجعل منا قوماً متوحدين، بل على العكس زاد من فرقتنا، وإن جمع البعض تحت مظلة واحدة، إلا أنه خلق الآلاف منها.
منذ بزوغ فجر التغريد (وأقصد هنا إطلاق الموقع) على يد جاك دورسي عام 2006 وأنا أنأى بنفسي عنه، وأعتبره معضلة أصابت الأمة وشغلتها وخربت كثيراً من شبابها وصباياها، بل إنني كنت من التطرف أن كنت أحرض أمي الغالية أن تدعو على كل من يغرد أثناء الاجتماعات العائلية وعلى جواله أو محموله بالخراب والحمى. ولكن وإذا بي بعد فترة ومنذ شهور أُصاب بالعدوى، ولا يفارق تويتر بالي إلا قبل النوم وأثناء الدوام، وحتى إن استيقظت يوماً من نومي لعطش أو أرق فأول ما تقع يداي عليه هو هاتفي «الذكي»، لأقلبه سريعاً وإحدى عيني مغمضتين والأخرى آيلة للسقوط، لأرى أحدث ما قاله من أتبعهم أو تعليقاتهم على ما غردت به سابقاً.
شغلتنا يا «تويتر» وعذراً إن قلت «هبلتنا»، فليس من المستغرب أن تجلس بجوار غريبٍ في مقهى، تراه وحيداً إلا من جوال يمسكه بيده، تتغير ملامح وجهه تباعاً، لحظات يضحك حتى ترى صف أسنانه فاعلم حينها أنه قد قرأ نكتة، وأخرى يبتسم بثقة فاعلم حينها أن تغريدته قد عمل لها عدد لا بأس به من «الريتويت» أو تسابق محبوها لوضعها كمفضلة. قد يرفع كفه لأعلى، فتوقع أنه إما انتصر في نقاش أو نجح وأصدقاؤه في عمل «سبام» جماعي لأحد مخالفيهم بالرأي.
على تويتر فقط، نحن ديمقراطيون ومتفهمون ونصراء للمرأة ومتواضعون ومتدينون، لا ننبس إلا بحسن القول ولا نتفوه برذالة، بل على النقيض نكون محبين للخير وللبشرية، دعاة للإصلاح لا قضاة للعقاب. نقطر رهفاً ودماثة، متفهمين وعقلانيين، إن ناقشت الرجل منا بموضوع عن المرأة تجده ـ ولا هدى شعراوي ، في حماسه لتحريرها والدعوة إلى حقوقها، لكنك إن بحثت خلفه ورأيت ما يدور في منزله مع زوجته أو أخواته، تجد حرب داحس والغبراء، وديكتاتورية الحجاج وأنانية الاستعمار وهمجية التتار، فالمرأة برأيه أمام الآخرين نصفه الزكي العبق، المخلوقة الرقيقة والرومانسية، هي الهوى والأحلام، علاقته معها قائمة على الشورى والندية والوصال والمحبة، لكنه على أرض الواقع وليس الإنترنت ذكر طاووس لا ترى أول خياله من آخره.
هذا التناقض بين الباطن والظاهر عادة ما يلقي بظلاله على شخصية «المتوتر»، وحتى لا ينكشف أمره، تراه يلقي بستار من السرية المطلقة على لقبه وما يغرد به، بل إن البعض حريص على ألا يعمل «فولو» لأيٍّ من أهل بيته أو أصدقائه، خوفاً من أن يفضحه أحدهم أمام الأتباع أو تشتكي منه أخت أو زوجة، فاض بها الكيل إما من غزواته ونزواته أو إهماله وتجاهله. في السياسة شأنه كما الأنثى، فإن كان معارضاً ستجد منه جلداً وصلابة وتحدياً، أما إن كان من «الربع أو الجماعة» فهو خطيب مفوه ومتحمس، أو ببساطة «مطبل» وعازف على النوتة وراقص على الوتر.
حقيقة، تحولت أحوالنا واضطربت أمورنا وباتت ساعات يومنا تمضي ونحن ننشغل كل يوم بأمر نرفه به أرواحنا ونفضفض فيه لبعضنا بعضاً دون أن نظهر على حقيقتنا ونعيش بأرض الواقع من دون فيسبوك وواتس أب وتويتر.



المصدر: جريدة الرؤية - http://alroeya.ae/2014/03/30/138469

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...