الأربعاء، 30 مارس 2016

فتنة الفتوى ولوثة الاستفتاء

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 30-03-2016

 

 
 يقول أحدهم إن استخدام "الأيموجي" حرام، لأنها تدخل في جملة صور ذوات الأرواح، وهي لمن لا يعرفها -ولا أظن ذلك- تلك الصور التعبيرية المستخدمة في الدردشة والكتابة للتعبير عن حالة نصف بها ما نريد بدلاً من كتابتها، كوجه ضاحك وآخر حزين ومستغرب وغاضب.. إلى آخره. الفتوى سمعتها من أحد من يوصفون بالدعاة، ولست هنا بمكانٍ لأحاسبه أو أحاكمه أو حتى أناقشه، فحتى لو امتلكت الحجة والعلم الشرعي لذلك، فبعضهم لن يلتفت إلى من هم مثلي، وقد يصفني قبل أن يجادلني بالعلماني المعادي للدين والمؤيد للابتداع، وأنا -والله أعلم بالسرائر- لست كذلك.
 
ما قلته سابقاً بكل أمانة ليس من باب المبالغة ولا العداوة في الخلاف، ولكن هو واقع نعيشه وتعكسه المساجلات والكر والفر بين قطبي الاختلاف في عالمنا العربي "بالذات"، وهما المحافظون والليبراليون. ومع تحفظي على المسميات، فأنا أعد نفسي ليبرالياً ومحافظاً وسلفياً ووسطيا حتى؛ إلا أن ذكري لهما من باب استخدام ما هو معلوم للعامة ودارج بينهم في التداول.
 
المهم، تحولت "السوشيال ميديا"، أو وسائل التواصل الاجتماعي، إلى ساحة أظهرت أسوأ ما في الاثنين، ولم تساهم في نشر فكرهما، فالمسافة بينهما والأغلبية الصامتة من جماعة "حزب الكنبة" كل يوم في ازدياد، بعد أن اتضح لها مدى التطرف والتشدد الناتج عن تشدق كل منهما في رأيه، وابتعاده عن الأصل، وهو التوعية مقابل الخصام!
 
في فتوى أخرى قرأت لأحدهم تحريم "ههههههههه" إن كتبتها امرأة، والذريعة هي الفتنة وما قد تؤدي له من عواقب وخيمة، غالباً ما تنتهي جميعها إلى الحرام الذي قد ينتج عن اجتماع رجل بامرأة غريبة، لنقل أي "الزنا" في أشد الحالات، والاختلاط المحرم والمعاصي في أقل الأحوال. بأمانة، أثار هذا الأمر في نفسي تساؤلاً: لماذا القناعة المتأصلة لدى عقول البعض دائماً تربط أي موضوع قد يكون طرفاه رجل وامرأة بالحرام، حتى لو كان على العالم الافتراضي ومن دون تلامس وتلاقي ومشاهدة؟ وهل وصلنا فعلا كعرب إلى تلك الدرجة من السعار الجنسي الذي حوّلنا إلى مخلوقات غايتها في هذه الدنيا فقط هي الجنس ولا شيء غيره، إن كان طرفا الحديث ذكرا وأنثى؟ تساؤل قد لا يعجب البعض، وقد يسموني على إثره من دعاة السفور، وهي تهمة أشهد الله سبحانه وتعالى أني براءٌ منها ولم أروج لها يوما أو كنت أحد دعاتها، لكني ببساطة بت أكثر إقداما للتمرد على ما نحن فيه من تشدد وتطرُّف، وإساءة لاستخدام باب سد الذرائع، الذي بات سلاحاً للبعض للتحريم بحجة حتى لا ينتج عنه حرام "افتراضاً"، متجاهلين أن الأصل في الأشياء التحليل، وعدد ما حرمته الشريعة لو عددناه لوجدناه لا شيء يذكر مقارنةً بما أحله جلّ جلاله لنا.
 
بالأمس ومجدداً، انتشرت عديد من الصور على الإنترنت لتصرفات للبعض فَرِحَ بها المتنطعون وروّج لها أصحابها أنها بدافع الغيرة على المحارم، شاهدنا فيها من لو قدر وتمكن لأنشأ حصناً من الخرسانة المسلحة حول منزله (الذي هو بالطبع بلا نوافذ)، حتى لا تنكشف محارمه (كما يقول)، وآخر "الود وده" لو أحاط زوجته أو أخته بفقاعة تستطيع المرأة أن ترى من داخلها ولا يستطيع أحد أن يراها من الخارج!
 
لا أخفيكم القول إن أكثر ما أثار امتعاضي وألقى في نفسي حسرة، ما آل إليه البعض من تشدد في أدق التفاصيل، بسؤال أحدهم يطلب الفتوى: هل يجوز للرجل أن يجلس على مقعدٍ جلست امرأة عليه قبله؟
 
والإجابة كانت: "لم يرد عن رسول الله ما يفيد ذلك ولا تحريم فيه، إلا أنه استطرد في القول إن ابن عمر رضي الله عنه قد حرمه لما قد يثيره من فتنة في نفس الرجل".
 
مع حبي واحترامي وتقديري لابن عمر الجليل، ومع إقراري بأني كالقزم أمام علمه وتقواه، فإنني أرى أنه قد جانب الصواب في ما ارتأى، وإن كنت لن أحجر عليه ولا من اتبع قوله في مشيئتهم إن أرادوا العمل به، لكنني كمسلم، أرى أن من الواجب على علمائنا وفقهائنا المعاصرين ألا ينجرفوا وراء مثل هذه الآراء، وأن يبينوا أنها آراء شخصية وليست حكماً شرعياً يجب اتباعه والعمل به.
 
عودة إلى من سأل، فإني وللأمانة أرى فيه أنه قد أتي شيئاً من غلو اليهود، الذين كانوا يقصون الجزء في الثوب إن وقعت به نجاسة بدل غسله، وحرموا ما أحل الله لهم، وابتدعوا في اليهودية السماوية ما ليس فيها، حتى غدت المحرفة منها ملآى بالخرافات والتشدد الممقوت، الذي بحذو البعض حذوه في كل ما يتعلق بالمرأة قد غدا يعكس ببساطة ثقافة نظرتنا للمرأة كعرب وكمسلمين على أنها الجانب المكمل للرجل والمتعلق بسعاره الجنسي.
 
أفيقوا هدانا وهداكم المولى، واتركوا عنكم فتنة الفتوى ولوثة الاستفتاء في ما لا ينفع، وإن اشتبه عليكم أمرٌ ما في دينكم أو دنياكم، فاستفتوا به هيئة كبار العلماء أو من هم في مثل مرتبتهم.
 
 

المصدر: جريدة الكويتية -  http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=352120

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...