السبت، 27 أكتوبر 2012

وحشٌ إسمه "العنصريه"

بقلم: عماد أحمد العالم
كتبت بتاريخ: 11-10-2012  

نشرت في موقع مقالاتي بتاريخ: 15-10-2012
نشرت في منبر الحوار والإبداع بتاريخ: 28-10-2012
نشرت بثلاث أجزاء في جريدة بوابة الشرق القطريه

في داخل كل ٍ منا وحشٌ صغير إسمه العنصريه, ينمو ويكبر حسب نوعية غذائه وطرق تربيته, هو بعكس طبيعة تكوين أجسادنا لا يحتاج لوجباتٍ ثلاث ولا للتحليه ولا يؤثربه الروجيم ولا الدايت, مقومات نمائه وترعرعه لا تراعي مخافة الله ولا الضمير الإنساني, يعززها إعتدادٌ أهوج بالذات وشعورٌ بطبقية ٍ زائفه وفوقية ٍ مصطنعه طبل لها من في أنفسهم شعورٌ بالأفضليه والتفوق العرقي والطبقي والإجتماعي والتعليمي والمادي.
لم يعُرف للعنصرية تاريخ نشأه ولا ازدهار, فهي من القدم أن واكبت الخلق وازدهرت في كل زمانٍ ومكان ٍ تواجدت فيه, حرمتها بعض الأديان ونهت عنها وحذرت منها فيما أكدتها أخرى ودعت لها باسم الدين واعتبرت إتباعها جزء ًمن العقيده ومع ذلك تشدق بها الكثره.
 لم تُعرف العنصريه والطبقيه  بعرق ٍ بذاته ووصفها يحتمل العديد من التأويلات ويدخل فيه الكثير من المسميات والتصرفات, العامل المشترك فيها جميعا ًأنها نمت وتواجدت في كل المجتمعات والشعوب والطوائف والقبائل.
إن ذهبنا شمالاً وجدنا أوروبا والأمريكيتان وبالذات الشمالية منها قد إستعبدت سكان البلاد الأصليين وطهرتهم عرقياً عبر إبادةٍ ممنهجه ومقننه, فبعد أن كانت أعدادهم تتجاوز العشرة ملايين نسمه في القرن الخامس عشر الميلادي, أصبحت في منتصف القرن التاسع عشر لا تتجاوز الثلاثمائة ألف نسمه حسب إحصائيةٍ رسميه صادره عن الأمم المتحده.
أوروبا من قبلهم أطرت العنصريه ب
مرسومان باباويان في القرن الخامس عشر الميلادي, أولاهما المرسوم الكنسي المعروف ب Romanus Pontifex”" الذي أصدره البابا نيكولاس الخامس إلى الملك ألفونسو الخامس ملك البرتغال عام 1452والذي أعلن فيه الحرب على كل من هو غير مسيحي في أنحاء العالم وأجاز وشجع إستغلال الدول"غير المسيحيه" واستباحة أراضيها وشعوبها واستعمارهم ونهب ثرواتهم. أما المرسوم البابوي الثاني والمسمى "Inter Caetera"
الذي أصدره الباب اليكساندر السادس في عام 1493 لملك اسبانيا وملكتها ، فهو الذي أنشأ السلطان المسيحي على العالم الجديد عبر دعوته إلى إخضاع السكان الأصليين وأراضيهم، وتقسيم الأراضي المكتشفة في وقته واللتي لم تكتشف بعدإلى قسمين مشاطرة ً  بين إسبانيا والبرتغال.
إذا ً مدنية القاره العجوز في الحاضر قد قامت بشهادة التاريخ على دماء الشعوب وثرواتهم واستعمارهم واستعبادهم عبر إجازة الكنيسه لذلك بل والتشجيع عليه, وهوما مهد فيما بعد للقوانين الوضعيه ذات الصبغه الدوليه القانونيه, والتي أجازت لأوروبا إستغلال اسيا وأمريكا اللاتينيه وخصوصاً أفريقيا.
واقع الحال لا يختلف كثيراً في أمريكا الشماليه سواءً من الولايات المتحده أو كندا الحاضر التي تعد واحة ً للحريات وحقوق الإنسان, لكنها في الماضي قننة العنصريه, وأوجدت قوانيناً أتاحت للسطات بإرسال أبناء السكان الأصليين إلى مدارس داخليه لا يحق لهم فيها الإتصال بذويهم, ويعمل من فيها على غسل أدمغة الجيل الناشئ من السكان الأصليين وتنسيتهم لغتهم وعاداتهم وكل ما يختلف مع قيم المستعمر الجديد.
في الولايات المتحده, تعتبر العنصريه والتطهير العرقي والتفرقه والإستعباد جزءً لا ينسى من تاريخها حتى لو بالغ قانونيها وصناع قرارها في إرضاء الأقليات عبر سن القوانين التي تحفظ حقوقهم وتعاقب كل من يتهم بالتفرقه العرقيه والإثنيه. لقد بلغت المبالغه لديهم حدا ًمزعجاً ولكنه محاولة ٌ منهم لطي صفحة ماضٍ عنصري ٍ بغيض أحل لهم كل المنكرات وتمادى في الطغيان والتفرقه على أساس لون البشره لدرجة أن الملونين لم يكن لهم الحق بالأكل في مطاعم البيض ولا الجلوس على نفس موائدهم ولا إستخدام وسائل النقل ولا التعليم, حتى الكنائس كانت جزءً من عزلهم, فلم يكن له الحق بالتعبد بنفس دور العباده.
لكم أن تتخيلو حجم الظلم والإضطهاد الذي تعرض له السود في أمريكيا عبر مشاهدة فيلم هولووودي إسمه "رووز وود" ويسرد قصة تعرض السود فيها لحملة تطهيرٍ عرقي على يد سكانها البيض وأغلبهم ممن ترعرعوا سويةً.

لن أصب جام قلمي على الغرب فقط, فلنا نحن أهل الشرق نصيبٌ من القمع والإضطهاد والعنصريه المقيته مارسناها على بعضنا البعض بشتى الأشكال وبحججٍ واهيه ومنطقٍ لا يحمل من المنطق سوى اسمه, فتارةً باسم الأصل والفصل والمدنيه وأخرى بالقبليه والعائله والباديه والمدينه والنسب والطبقه والمستوى الإجتماعي والمادي والتعليمي. حجج واهيه ومؤطره بالباطل ولكنا أقنعنا أنفسنا بها لنختلف عن الأخرونكون مميزين.
المتابع لمجتمعاتنا العربيه يجد فيها الأن ما تاب عنه الغرب وأقلع, أما نحن فمتمسكون بها لأن من هو منا قد أقنعنا جدلاً أن الناس طبقات,وأن المقامات هي مقياس مكانتك الإجتماعيه.
لا أقصد أبداً أن ألغي الحواجز والحدود والمفهوم المتبادل للتوافق, ولكن نقدي لما تفشى بيننا من عنجهيه وغرور واستخفاف بالاخر وعنصريه وتكبر وتجبر تتسم به المجتمعات العربيه المترفه والغنيه على حساب أخواتها الأقل حظوه ورفاه. تناسينا أن الأيام دول, ولو دامت لغيرك ما أتت لك, تناسينا أننا حكمنا الأندلس أكثر من سبعة قرون ومن ثم حينما ذهبت أخلاقنا خسرناها.
المتتبع ليوميات الحوار العربي والمفردات المستخدمه في حديث العامه (والخاصه) يجد أننا إبتكرنا واخترعنا طرقاً للتتعبير تعدت كونها للإحترام أو تقدير المقام لتكون نوعاً بغيضاً من النفاق والتزلف والتذلل, مخاطبتنا لبعضنا أصبحت طبقيه, ننادي الاخر بما تحصل عليه من مكانةٍ إجتماعيه أو درجاتٍ علميه, فالطبيب دكتور والضابط حضره, والوزير معالي, والمدير سياده, والشيخ مخصصه لرجل الدين أو الثراء,,,,,,الأمثله كثيره ولست بصدد تعدادها هنا ولا الإنقاص مجدداً من شأن الأخر أو المجتهد.
 بيت القصيد أننا تحولنا من أمةً تأسس الإحترام المتبادل إلى مجتمعاتٍ مريضه بعقدة الأنا, وبالدخل والمكتسبات الماديه, تعاير بعضها بعضاً لما لها من حضوةٍ وامتيازوترى في نفسهاالفوقيه وفي الأخرى الدونيه, متناسية ً قول العلي الكريم "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
هي دعوةٌ لأشقاء الدين والدم أن نؤسس مجتمعاً مسلماً عربياً توافقي وأن ننبذ العنصريه وإن لم يكن بأنفسنا, فبالأجيال القادمه, لنزرع فيهم إحترام الأخر كإنسان قد يكون الأقل حظوةً الان ولكن مسقبلاً قد نكون مكانه, لنعلمهم أننا لن نستعبد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً, لنعودهم ألا فضل لنا على الأخر إلا بما كرمنا الله سبحانه وتعالى فيه.
وللحديث بقيه 


المصدر - موقع مقالاتي: http://www.maqalaty.com/-%D9%88%D8%AD%D8%B4%D9%8C-%D8%A5%D8%B3%D9%85%D9%87----%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D9%87---23169

المصدر - منتدى الحوار والإبداع: http://www.menber-alionline.info/forum.php?action=view&id=13520

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...